الثورة – سومر الحنيش:
في ظل تحول ملحوظ يشهده المشهد الاقتصادي المحلي مؤخراً، برز المغتربون العائدون، بعد سقوط النظام البائد، كقوة دافعة لإحياء قطاعات المطاعم والمقاهي والمرافق التجارية، حيث ساهمت عاداتهم الاستهلاكية وتنوعهم الثقافي وحنينهم إلى استعادة ذكرياتهم في الأماكن التي هُجِّروا منها منذ سنين في خلق حركة اقتصادية نشطة، تدعم رواد الأعمال وتعيد الحيوية إلى الأحياء التجارية.
– من الفراغ إلى الازدهار:
منذ أشهر، كان المشهد مختلفاً في كثير من المقاهي والمطاعم، حيث كانت تعاني من قلة الزبائن وضعف القوة الشرائية، اليوم أصبحت تزخر بزوار من جنسيات مختلفة، ينعشون أجواءها بأصوات لغات متعددة وطلبات متنوعة، ويلاحظ أصحاب الأعمال ازدياداً ملحوظاً في الطلب على الخدمات والمأكولات ذات الجودة العالية.
يقول ماهر خير- صاحب مقهى في أحد الأحياء الراقية في دمشق: لاحظنا زيادة في الإقبال بنسبة ٥٠% منذ عودة المغتربين، وهذا أجبرنا على توسيع قائمة المشروبات وتوظيف المزيد من العمالة لتلبية الطلب، مؤكداً أن المغتربين يبحثون عن تجارب جديدة، ولديهم استعداد لدفع أسعار أعلى مقابل جودة الخدمة.
ليست المقاهي وحدها من استفادت من هذه النهضة، فالمطاعم التي تقدم أطباقاً عالمية أو تعيد إحياء المأكولات التقليدية بلمسة عصرية، تشهد إقبالاً غير مسبوق، ويشير رائد جبري- مدير مطعم في دمشق القديمة إلى أن المغتربين يبحثون عن تجارب جديدة، ولا يترددون في دفع أسعار أعلى مقابل جودة الخدمة أو الأطباق الفريدة”، وهو ما سمح للعديد من المنشآت برفع هامش ربحها.
– فارق السعر: قوة تغير قواعد السوق:
يبرز الاقتصاديون ظاهرة “فارق السعر” كأحد العوامل الرئيسية في هذه الطفرة، حيث تظهر البيانات (الافتراضية) أن المغتربين ينفقون في المتوسط أضعاف ما ينفقه السكان المحليون في المطاعم الفاخرة والمقاهي المتخصصة.
ويرجع ذلك إلى عدة عوامل مثل الدخل الأعلى نسبياً، وفارق سعر الصرف، أو سعيهم لتجسيد تجارب تذكرهم بثقافاتهم الأصلية وبذكريات عزيزة عليهم، ما يدفعهم لتفضيل المنشآت التي تستورد مكونات خاصة أو توفر خدمات مميزة.
ولا يقتصر التأثير على القطاع الغذائي وحده، فأسواق المنتجات الأجنبية، وصالات الرياضة المتخصصة، وحتى مراكز التجميل، بدأت تلاحظ تحسناً في الإقبال، وفقاً لمشاهداتنا اليومية.
أبو طلال- مغترب في الإمارات يقول: لم أرَ سوريا منذ أكثر من ١٤ عاماً، اشتياقي الكبير لاستعادة ذكرياتي وشبابي في المناطق التي ترعرت بها هو ما دفعني للقدوم، الأسعار منخفضة مقارنةً بدول أخرى، والتنوع كبير هنا، زرنا الكثير من المطاعم والمقاهي واستمتعنا بأجواء رائعة.
– ثقافة الاستهلاك: جسر بين الهويات:
وراء الأرقام، تكمن قصص إنسانية تعكس الاندماج الثقافي، تقول ماري- مغتربة من أوروبا: أجد في المطاعم هنا نكهة تشبه بلدي إلى حد ما، لكنها مدمجة مع التوابل الشرقية، هذا التنوع يجعلني أشعر بأنني جزء من المجتمع، هذا الشعور يترجم اقتصادياً إلى ولاء للعلامات التجارية التي تكرس مفهوم العبور بين الثقافات.
– المستقبل الاقتصادي: فرص وتحديات:
لاشك أن استمرار هذه الموجة يتطلب تعزيز سياسات جذب المغتربين، مثل تسهيل إجراءات الاستثمار، أو تنظيم فعاليات ثقافية تبرز التنوع، لكنهم يحذرون في الوقت ذاته من ضرورة موازنة الأسعار لضمان عدم استبعاد الشرائح المحلية من السوق.
– ختاماً..
يشكل المغتربون اليوم رافداً اقتصادياً وإنسانياً يثري المجتمع، ليس فقط بالأموال، بل بتبادل الثقافات الذي يعيد تشكيل هوية المدن الحديثة، وكما يقول المثل القديم: “التنوع ثروة”، وهذا ما تثبته الأرقام والقصص على أرض الواقع.
