الثورة – رفاه الدروبي:
استطاع المخرج السينمائي نبيل المالح أن يترك إرثاً فنياً لأعمال جسَّدت واقعاً مريراً بكلِّ ما فيه رغم حبِّه لوطنٍ لفَّ تلابيب قلبه وروحه المفعمتين بهما؛ لكنَّ الحرب الأليمة تركت شرخاً لديه ليتركه إلى غير رجعة بعيداً عنه، وصل عدد أفلامه إلى نحو 150 فيلماً، بين أفلام روائية طويلة وقصيرة وأخرى تجريبية وتسجيلية، وتخليداً لذكراه، كرَّمته مؤسسة السينما بالتعاون مع فريق رؤية في حفل نُظِّم داخل صالة سينما الكندي في دمشق، يُثبت نبيل المالح من خلال فيلم أعدَّه الروائي عماد نداف، والمخرج هشام فرعون، أنه يُخربش بأعماله على جدران الحياة، ويترك بصمات أصابعه أو أظفاره، مُعبِّراً عن حبِّه للحياة، واعتبر المرأة كياناً سحرياً، لذا كره النقاط السوداء وتعلَّق باللون الأبيض، مُنطلقاً من تمثُّله ببياض العلم ويرى أنَّ السواد رمز السيوف والمعارك والقتل والقهر والسجون، رغم أنَّ الحياة قصيرة بالنسبة لإنسان حالم قانع يحمل في قلبه عواطف كثيرة، بينما وقف محمد علي المالح، شقيق المخرج نبيل، ليتحدَّث في مداخلته عن صعوبة الحديث ويحكي عن شقيق الرحم والهوية والنسب باعتبار خبره دائماً، وعرف كم كان يحمل الحبَّ في داخله لكلِّ الناس وللسينما، إذ كان ينتظر العودة إلى الوطن؛ لكن باغته الموت بعد أن قدَّم وضحَّى بكلِّ شيء فكان جزءاً من ثورة الثائر.. استيقظ الشقيق علي فجأةً من حلم الطفولة الفارق بينهما عقد ونيِّف ليجده يشارك في حرب العدوان الثلاثي على مصر، وفيما بعد يخرج في المظاهرات ضدَّ الظلم والقهر، رافضاً الاعتداء على الشعب، حيث ثار وتحدَّى وقدَّم وكافح، ثم ضحَّى في سبيل كلمته كي يحصل على ما يريده، وقضى جلَّ حياته من دون أن يرتبط بسلطة أو جهة فكان حرَّاً رافضاً للنمطيَّة، يظهر بطولته الفردية ضدَّ القهر والفقر والظلم على الشعب الطيِّب المعطاء، فعكسه في فيلمه “بقايا صور عام ١٩٧٥”، كما صوَّر البورجوازيين وشعاراتهم الرنَّانة، وأظهر النظام المخابراتي البائد، عُرض في نهاية حفل التكريم الفيلم الروائي الطويل “السيد التقدمي” من إنتاج منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان ممنوعاً من العرض خلال فترة حكم النظام السابق من بطولة عبد الرحمن آل رشي ونضال أشقر، يُعرِّي الفيلم “أحد البرجوازيين” بلجوئه إلى كمِّ أفواه الصحفيين وردعهم لعدم سبر أغوار الفساد ضمن مؤسسات الدولة، ويتعرَّض لواقع سياسي واجتماعي غير محدَّد من خلال محاولة شراء ضمير أحد الصحفيين المّتحمِّسين، تدور أحداث القصة حين يحاول الصحفي فضح البورجوازي في بداية الفيلم عند خروجه من مجلس الشعب، بينما يبدأ رجال الأمن باعتقال مجموعة من الشباب الواقفين أمام أبواب المجلس، ثم يتوجَّه الصحفي عن طريق البحث عن وثائق تدينه فيجدها، تبدأ المساومة والفضائح والسقوط بتدبير جريمة قتل يُدان بها دون أن يُشارك فيها، حيث يُقتَل مُسرِّب الوثائق “الموظف” لتكون الخاتمة بإنهاء حياة الصحفي، يُقدِّم الفيلم خلال أحداثه صوراً رمزية عن الحالة المعيشيَّة للمجتمع ومعاناتهم من الفقر والجهل؛ بينما الديك يصيح رافعاً رأسه مُتباهياً بما آلت إليه الأحوال.
