الثورة – رفاه الدروبي:
الكوفيَّة لباس الرأس عند الرجال في المجتمعات العربية القديمة، انتشرت على بقعة جغرافيَّة شملت فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية، فكانت لباساً يحمي الرجل من لهيب الشمس وتمتصُّ عرقه وتقيه من هواء الشتاء وبرودته.
الباحثة الدكتورة نجلاء الخضراء، ذكرت لـ”الثورة” أنَّ الكوفيَّة أُدرجت على قوائم التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “ايسيسكو”، ويُعتبر التسجيل إنجازاً وطنياً مهماً عام 2024م، كونه نتاج تاريخ طويل بدأ مع مجتمعات عاشت على الأرض الكنعانية والفينيقية وتناقلته الأجيال، وسُمِّيت الكوفيَّة نسبة إلى الكوفة حيث كانت تُصنع من خيوطها القطنية هناك، وتُمثِّل زياً لغالبية أهل الكوفة، ومنتجاً يتباهون به.
وبيَّنت أنَّ الإنسان استخدمها قبل ٥ آلاف عام عند سفوح الأنهار وعلى شواطئ البحار، عندما وضعوا على رؤوسهم شباك الصيد المصنوعة من صوف الغنم، رمزاً لخطوط المياه والأصداف، واندمجت فيما بعد الطبقتان بطبقة واحدة سمِّيت الشماغ، إذ أصبح غطاءً شعبياً للرأس بخيوطه القطنية، وارتداها أصحاب المكانة والهيبة وأهل المناصب، فصنعت لهم من الحرير الخالص في حلب ودمشق والقاهرة.
وأضافت الخضراء: مُزجت ألوان الكوفيَّة الحيادية بين السواد والبياض للدلالة على تناغم الليل والنهار، فيما رمز الخط العريض إلى البحر، والخطان الرفيعان إلى النهرين الكبيرين تتوسطهما كروم الزيتون وأوراقها، وفي الوسط رسمت خطوط الصيد، كذلك لبسها سكان البوادي ومربُّو الماشية فكانت موشَّاة بزخارف ذات لون أحمر، وعبَّرت الخطوط الرفيعة عن الطرق البرية، ودلت الخطوط العريضة على الطرق التجارية البرية.
ثم لفتت إلى أنَّها أصبحت موروثاً ثقافياً وشعبياً للعرب وأهل الشام، بينما أثَّرت الثقافة العثمانية على المنطقة وخاصة المدن فاستبدلوها بالطربوش الأحمر، واستمر الفلاحون والفقراء بارتداء الكوفيَّات بأنواعها، وتحوَّلت بعد قيام الثورة العربية الكبرى لرمز ثوري نضالي وطني، عندما ارتداها أعمدة الثورة آنذاك، وأوضحت الباحثة الخضراء أنها أصبحت رمزاً للفلسطينيين يذكِّرهم بأرضهم ونضالهم وثوَّارهم، حتى أنها باتت رمزاً عالمياً طغى على مظاهر الاحتجاجات في أنحاء العالم دعماً للفلسطينيين ورفضاً لحرب الإبادة العسكرية ضدهم.
#صحيفة_الثورة