الثورة – عمار النعمة:
هو شاعر نسج من خيوط كلماته أجمل العبارات التي عزفت على أوتار أرواحنا، كتب عن الحب والوطن والمرأة، فجاءت كلماته صادقة معبقة بالحنين واللحظات الموصولة بجسورِ التواصل مع أرض الوطن.
في كل مرة كتب بها، كان يبهرنا ويسحرنا ويطربنا بقصائده التي تجعلنا نشعر بأن الشعر مازال موجوداً، لا بل تحثنا على الإبداع والبناء والتفكير الذاتي لأن النفس لا تنفصل عن الذات مطلقاً.
إنه الشاعر نزار قباني الذي تمر هذه الأيام ذكرى ولادته، والذي أجمع عليه الشعراء والنقاد فكتبوا عنه الكثير ، كيف لا وهو الدمشقي الذي جال بشعره العالم كله فكان أيقونة سورية حقيقية بامتياز.
ولد نزار بن توفيق قباني في 21 آذار 1923 بالعاصمة السورية، لأسرة دمشقية عربية عريقة، نشأ في بيت عتيق وفسيح يحمل عبق التراث، ووالده توفيق كان من أعيان البلد وتجاره، ومن محبي الشعر والأدب عموماً.
عاش نزار طفولته الأولى في أجواء هانئة برعاية والدته “فايزة” ذات الأصل التركي، وظهرت خلال هذه المرحلة ميوله الفنية إلى الرسم ثم الموسيقا.
يقول عن طفولته: “فمن الخامسة إلى 12 من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان، أرسم على الأرض وعلى الجدران وألطخ كل ما تقع عليه يدي بحثاً عن أشكال جديدة، ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقا، ولكن مشكلات الدراسة الثانوية أبعدتني عن هذه الهواية”.
حصل نزار قباني على البكالوريا من مدرسة الكلية العلمية الوطنية بدمشق، ثم التحق بكلية الحقوق بالجامعة السورية وتخرج فيها عام 1945، بموازاة ذلك، كان يبدي منذ طفولته شغفاً بتعلم فنون عديدة، فقد تتلمذ على يد خطّاط يدويّ، ثم اتّجه للرسم، وعشق الموسيقا، وتعلّم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود.
بعد استقراره على حب الشعر، راح يحفظ أشعار عمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة، وطرفة بن العبد، وقيس بن الملوح، متتلمذاً على يد الشاعر خليل مردم بِك الذي علّمه أصول النحو والصرف والبديع.
تميزت شخصيته وقصائده أيضاً بجاذبيتها الخاصة التي لا تضاهى لدى أجيال من الفنانين العرب الذين لحنوها وغنوها، من عبد الحليم حافظ مروراً بفايزة أحمد ونجاة الصغيرة، وصولاً إلى كاظم الساهر وماجدة الرومي وأصالة نصري، بالإضافة إلى المسلسل السوري الذي أنتج عام ٢٠٠٥ حيث كتبه قمر الزمان علوش وأخرجه باسل الخطيب استناداً على السيرة الذاتية لنزار قباني.
رحل نزار قباني الذي أحب دمشق وأحبته فكتب عنها الكثير وربما خير ما نختتم به هو قصيدته الشهيرة التي مازلنا نرددها على ألسنتنا حتى اللحظة :
هذي دمشق.. وهذي الكأس والراح
إني أحب… وبعـض الحـب ذباح
أنا الدمشقي.. لو شرحتم جسدي
لسـال منه عناقيـدٌ.. وتفـاح