المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس لـ”الثورة”: تطبيق العدالة الانتقالية واجب أخلاقي وسياسي وطريق المصالحة الوطنية
الثورة – حوار راغب العطيه:
حظي مصطلح العدالة الانتقالية بالكثير من الاهتمام في المجالات السياسية والقانونية والإعلامية، وخاصة في المجتمعات التي تمر بفترات انتقالية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بعد مراحل من الصراع الداخلي سواء أكان مسلحاً أم مدنياً، والانتقال من نظام تسلطي واستبدادي منتهك لحقوق الإنسان، إلى نظام ديمقراطي يؤمن بالحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون.
وفي الحالة السورية وبعد انتصار ثورة الشعب وإسقاط أبشع نظام سياسي إرهابي عرفته المنطقة والعالم، أصبح تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا هو واجب أخلاقي وقانوني وإنساني، وذلك لفداحة الجرائم وبشاعتها، والتي ارتكبت بحق المدنيين العزل والطفولة والإنسانية، وترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية.
كما يعد تطبيق العدالة الانتقالية من أفضل الطرق لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين أطياف المجتمع السوري، من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق السوريين، وللأهمية البالغة لهذه العملية السياسية والقانونية في سوريا الجديدة لقد أخذت العدالة الانتقالية حيزاً لا بأس به في الإعلان الدستوري.
الاستجابة للانتهاكات المنهجية
وللإضاءة على هذا الموضوع أجرت صحيفة الثورة حواراً عبر الهاتف مع المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس عضو المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، حيث أكد أن العدالة الانتقالية سلسلة من العمليات المتسلسلة والمتعاقبة ومجموعة من الآليات التي يجب اعتمادها، بعضها يكون قضائياً وبعضها الآخر غير قضائي، تهدف إلى الاستجابة للانتهاكات المنهجية أو واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية، وقال: يمكن للحكومة أو السلطة أن تحقق العدالة الانتقالية من خلال اتخاذ سلسلة من الخطوات، أول هذه الخطوات أن تصدر قانوناً بإنشاء هيئة العدالة الانتقاليّة من شخصيات وطنية ذات سمعة مشهود لها بالكفاءة والخبرة على أن تكون مستقلة عن السلطة تماماً.
وثاني هذه الخطوات إنشاء محاكم خاصة بالعدالة الانتقالية كون القضاء العادي غير قادر وفاسد ومتهالك، وثالث خطوة هي إصدار قانون يقضي بتعديل قانون العقوبات بحيث تدمج المواد 5 و6 و7 و8 من قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية لتكون جزءاً لا يتجزأ من قانون العقوبات، فلا عقوبة ولا جريمة إلا بنص قانوني.
مراجعة لكل القوانين
وأوضح الناشط الحقوقي أن من مهام العدالة الانتقالية إجراء مراجعة لكل القوانين وإلغاء أو تعديل القوانين التي كانت سبباً في مأساة الشعب السوري، وأيضاً من مهامها إصلاح المؤسسات ومن ضمنها مؤسسة القضاء ليكون فعلاً حامياً وضامناً لحقوق الناس وحرياتهم، ويأتي إلغاء المحاكم الاستثنائية كمحكمة الإرهاب وكل الأحكام والقرارات التي صدرت عنها في هذا السياق، وقال: كان من المفترض أيضاً إلغاء كافة الأحكام الصادرة عن محكمة الميدان التي ألغاها نظام الأسد الإجرامي، لكنه لم يلغ مفاعليها وقراراتها.
وأضاف المحامي شماس أنه كان يجب النص في الإعلان الدستوري على عدم سقوط جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بالتقادم أسوة بما فعل في جريمة التعذيب التي اعتبرها الإعلان بأنها جريمة لا تسقط بالتقادم.
خطوات مدروسة
وبين شماس أنه حتى نتجنب وقوع أخطاء خلال تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا، لا بد من اتخاذ خطوات مدروسة وموجهة وفعالة تساعدنا في استقرار البلد وتجنبنا أي ضغوطات دولية يأتي في مقدمها:
1- وضع إطار قانوني شامل وشفاف يستند إلى معايير حقوق الإنسان الدولية، بما يحقق العدالة للجميع ويُظهرنا أمام المجتمع الدولي أننا نلتزم بمعايير العدالة العالمية.
2- إشراك الشعب السوري بالحوارات والمشاورات العامة مما يساعد في تقليل التوترات الداخلية ويعزز المصالحة.
3- فتح حوار صريح مع المجتمع الدولي والاستفادة من الخبرات الدولية من خلال طلب مساعدة الخبراء الدوليين، والاستفادة من نماذج ناجحة في دول أخرى مرت بمراحل العدالة الانتقالية.
4- التأكيد على استقلالية هيئة العدالة الانتقالية وكافة اللجان المنبثقة عنها كلجنة الحقيقة وكشف المفقودين والإصلاح المؤسسي والقانوني والتعويض عن الضرر ومحاسبة الجناة.
وحول أهمية العدالة الانتقالية قال شماس: إن تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا واجب أخلاقي وسياسي وقانوني وإنساني، ويشكل تطبيقها اليوم حجر الزاوية في عملية إعادة بناء الدولة، وهي الطريق الأفضل لتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين أطياف المجتمع السوري، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات.
ونظراً للظروف المأساوية التي عاشتها البلاد خلال حقبة الأسد الإجرامية، يتطلب منا بحسب المحامي شماس.. تبنّي نهج متوازن يجمع بين المساءلة، والتعويض، والمصالحة حتى نستطيع تجاوز إرث الماضي الثقيل من الانتهاكات، وإعادة بناء سوريا على أسس جديدة من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والدستور.
بناء مجتمع أكثر سلاماً وعدلاً وشمولاً
وقال شماس: حتى لا نكون واهمين فإن تطبيق العدالة لن يكون سهلاً، بل هو صعب، وقد يستغرق سنوات طويلة نظراً لهول المأساة التي خلفها نظام الأسد الإجرامي، مشيراً إلى أن العدالة الانتقاليّة ليست عنصراً واحداً ولا هي صيغة فريدة جامدة، بل هي أشبهُ بشبكةِ طرق تتكامل مع بعضها بهدف بناء مجتمع أكثر سلاماً وعدلاً وشمولاً، وما من طريق واحد يتبع، فلكل مجتمع ودولة طريقه الخاص تحدده طبيعة ثقافة المجتمع وتاريخه وبناه القانونية والسياسية وقدراته وتكوينه الاجتماعي والاقتصادي وأيضاً طبيعة الجرائم المرتكبة ومدى فظاعتها.
وشدد الناشط الحقوقي على أن النجاح في تحقيق العدالة الاجتماعية يعتمد بقدر كبير على الجهود التي ستبذل في هذا الإطار وعلى مدى تعاون الناس وجميع الأطراف المعنية من الضحايا والفاعلين في السلطة ومنظمات المجتمع المدني، التي من دون وجودها ستنفرد الدولة بالمجتمع وتفرض سيطرتها عليه، لافتاً إلى أن التأخير في تطبيق العدالة الانتقالية اليوم سيعطي رسالة غير جيدة للضحايا وسيشعرهم بالظلم وأن حقوقهم مهدورة، وبالتالي سيندفعون إلى أخذ حقوقهم بيدهم وسيشعل نار الانتقام، مما يشكل خطراً كبيراً على السلم الأهلي في المجتمع واستقرار الوضع في سوريا.
مطلب ضروري
وختم شماس بالقول: بات اليوم مطلب تحقيق العدالة ضرورياً ومهماً ليس فقط لتهدئة خواطر الضحايا وتعويضهم وتكريمهم ومعاقبة الجناة المرتكبين أياً كانوا، بل أيضاً لأجل تحقيق مصالحة مجتمعية في المناطق التي شهدت عمليات انتقام دموية، ولأجل استقرار الوضع أيضاً، وهذا سوف يساعد على تذليل العقبات أمام إعادة بناء الدولة على أسس سليمة، ويخفف من التوترات والضغوطات الإقليمية والدولية على سوريا نظراً للأهمية الكبيرة التي تتمتع بها من خلال موقعها الجيوسياسي وتأثيرها في دعم الاستقرار والسلم في المنطقة والعالم.
#صحيفة_الثورة