الثورة – فريال زهرة:
لطالما نظر البعض إلى تنوع الديانات والمعتقدات وغيرها من اختلافات في المجتمعات على أنها عوامل ثراء وغنى في الدول المتحضرة.. لا بل وتزداد رفعة المجتمع ويقاس تقدمه بمقدار تآلف وتعاضد أفراده بعطاءاتهم الإنسانية، والسؤال الملح اليوم كيف نواجه هذا الغلو والتطرف عند البعض، وكيف نحمي المجتمع المتنوع، وكيف نجمع ونوحد على البناء لا أن نفرق ونشتت!؟ هواجس لا بدّ من مواجهتها بأصوات صريحة واضحة تطفئ نار الفتن، وترمم أي شروخات قد تصيب المجتمع، وهو ما أكده الشيخ الأستاذ ممدوح العسس في حديث طيب لـ”الثورة”:
من أهم المخاطر التي نخافها على شبابنا المتدين ظاهره الغلو والتطرف، ذلك لأن هذا الغلو يؤدي إلى تفكك المجتمعات، ونابع من سوء فهم للدين وسأتكلم عن هذين السببين بشيء من التفصيل وأضرب لذلك أمثلة:
أولاً- يؤدي إلى تفكك المجتمعات، والسؤال اليوم هل كانت المجتمعات الإسلامية سابقاً يوجد فيها تعدد للمعتقدات وللأديان أم لا؟ لنبدأ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف تعامل مع غير المسلمين من العهد المكي، كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم تعاملاً مضبوطاً بضوابط الشرع كما أمره الله، في البداية كانت الدعوة سراً “وأنذر عشيرتك الأقربين”، ثم أمره الله بإعلان دعوته، فقال له فاصنع بما تؤمر، وبعد ذلك مع أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض مع أصحابه لكثير من الأذى والقتل أحياناً، لم يقاتل قريش، وصبر على أذاهم، وصبر على أصنام تعبد من دون الله حول الكعبة في مكة المكرمة أكثر من 10 سنوات، لماذا؟.. لأن الله خصه في دعوته ورسم له منهجاً في سيرته لا يمكن له أن يتجاوزهما.
ثم في عهد المدينة، كان هناك من غير المسلمين اليهود والمنافقين، هل أمر النبي بقتلهم، هل سمح النبي بسلب أموالهم، لننظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم، أما اليهود فجعل بينه وبينهم ميثاقاً ومعاهدة ولم يبعدهم عن المدينة أو يقتل أحداً منهم حتى نقضوا العهد كعادتهم دائماً، والمنافقون لم يقتلهم النبي وعاملهم أفضل معاملة، حتى صلى على رأسهم أبي بن سلول، ولكن علّم أحد أصحابه أسماءهم حتى لا يغتر أحد من المسلمين بهم بعد موته.
ثم بدأت الفتوحات الإسلامية، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالرهبان ومعابدهم خيراً، بل وكتب كتاباً مثل كتاب النصارى واليهود لمجوسي هجر، وكل ذلك بوحي من الله عز وجل لنبي صلى الله عليه وسلم.
وقدم الشيخ العسس الخلاصة بالقول: إن المجتمع المسلم يمكن أن يكون فيه أديان ومعتقدات متعددة ويبقى متماسكاً إذا التزمنا بتعاليم الله وتعاليم رسوله وابتعدنا عن الغرور والغلو والتطرف.
أما الأمر الثاني فهو سوء فهم للدين.. نعم لقد تعرفنا على أناس يفهمون الدين على عكس ما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، يوجد بعض الناس اليوم يكفّرون المسلمين بالجملة، ولا تستغربوا، اليوم يوجد من كفّر أباه بالذنب ومن كفّر أمه بمعصية، وما ذلك إلا لأنهم فهموا الدين بشكل مغلوط ومعكوس، وعليه يتوجب علينا أن نتعامل في هذه الحالات بمزيد من الحكمة والوعي، وأن نبدأ مع شبابنا منذ نعومه أظفارهم بوضع أقدامهم على الجادة الصحيحة من التدين النابع من الكتاب والسنة وفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
وبين الشيخ العسس أنه يجب علينا تفعيل الندوات واللقاءات مع الشباب، وإرساء أصول المعتقدات الصحيحة والسليمة حتى لا يقع ما لا يحمل عقباه، كما يجب علينا أن نقدّم الخطاب الديني الصحيح الملتزم بقواعد وأصول الشريعة بعيداً عن الأهواء وعن الآراء، بعيداً عن التبعية العمياء.
كما أشار إلى أنه يجب علينا مواجهة الفتاوى المغالية بالحجة والبيان والدليل، وتبيين مخاطرها على المجتمع من الفهم السيئ، كما لفت الانتباه إلى أن البعض من المسلمين اليوم ومن خلال متابعتهم لوسائل التواصل وسماعهم غير المضبوط لكل من تكلم في الدين، فتجد من يتأثر بأفكار مغالية من حيث لا يدري، فتراه يكفّر فلاناً وغير ذلك، مع أنه لم يقم عليه الحجة ولم ينتف عنه المانع ولم يعتمد بحكمه على أساس شرعي.. نسال الله أن يجعلنا على طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا نهجه المُنزل.