تعكس التزام الأطباء السّوريين تجاه وطنهم وتعزز التّكافل المجتمعي حملة “شفاء”.. رسالة أمل وخطوة نحو الشّفاء والرّوح الوطنية
الثورة – ناديا سعود:
في مبادرة تعبّر عن أسمى معاني التضامن والتكافل، أُطلقت حملة دعم من أبناء سوريا في الخارج لأبناء بلدهم في الداخل، حملت في طياتها بُعداً يتجاوز الجانب الطبي لتكون رسالة إنسانية تعبّر عن وحدة الشعب السوري أينما كان.
حملة “شفاء” التي أطلقتها وزارة الصحة بالتعاون مع التجمع السوري في ألمانيا SGD، ومنظمة الأطباء المستقلين IDA، الهدف منها ليس فقط تقديم الدعم الطبي، بل أيضاً تعزيز روح المشاركة والمواساة، حيث تأتي هذه المبادرة ترجمة عملية لوفاء المغتربين السوريين لأهلهم في الداخل، وتأكيداً على أنهم لم ينسوا معاناة شعبهم رغم البُعد الجغرافي، تحت شعار: “يداً بيد لأجل سوريا”.
وزير الصّحة الدكتور مصعب العلي خلال إطلاق الحملة أشار إلى انفتاح الوزارة الكامل للتعاون والتنسيق في مثل هذه المبادرات، والاستعداد الكامل لتسهيل الإجراءات اللوجستية بالتنسيق مع المديريات المعنية ومديري المستشفيات ورؤساء الأقسام، بما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من الحملة.
وأكد الوزير العلي الترحيب بأي مبادرات مستقبلية تركز على رفع مستوى التدريب والتأهيل العلمي والمهني في القطاع الصحي، وعلى أهمية تعزيز التعاون مع أبناء سوريا في الخارج من أجل دعم الكوادر الطبية وتطوير البنية الصحية في البلاد، وأشاد بالجهود التي يبذلها أبناء الوطن في الخارج، واعتبرها خطوة بالغة الأهمية في طريق الشفاء، ليس فقط على الصعيد الطبي، بل الاجتماعي والإنساني أيضاً، على أن تكون هذه المبادرة بداية لسلسلة حملات قادمة تسهم في دعم القطاع الصحي، وتعزيز روابط المحبة والانتماء بين السّوريين في كل مكان.
مبادرة بتمويل سوري خالص
الناطق الإعلامي باسم “التجمع السوري في ألمانيا”- عضو المكتب الطبي، الدكتور صادق الموصلي أكد في حديث خاص لـ”الثورة” أنّ هدف حملة “شفاء” الطّبية الإنسانية، التي نظمها مجموعة من الأطباء السوريين في ألمانيا بالتعاون مع عدد من الجمعيات المدنية، تقديم الخدمات الطبية والجراحية داخل سوريا، وقد انطلقت الحملة فعلياً في 5 نيسان وستستمر حتى 26 منه، بالتزامن مع عطلة عيد الفصح في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية، وهي فترة عادةً ما يستغلها الأطباء للراحة، إلا أنّ المشاركين قرروا تكريسها لخدمة المرضى السوريين، موضحاً أنّ الحملة لن تقتصر على هذه الفترة فقط، بل ستكون باكورة لحملات أخرى لاحقة.
مشاركة وتمويل
وبيّن أنّه بلغ عدد الأطباء المشاركين حتى الآن 106 أطباء سوريين، جميعهم مقيمون في ألمانيا، وقد تطوعوا بكامل وقتهم وجهدهم من دون أي مقابل، لافتاً إلى أنّ تمويل الحملة بالكامل جاء من السوريين أنفسهم، من تبرعات أفراد من عامة الشعب، وذوي النخوة من العاملين والمغتربين، من دون أي دعم مادي من الحكومات أو الجهات الرسمية، مبيناً أنّ كل طبيب تبرع بمبلغ 1000 يورو دعماً للحملة، إضافة إلى تحمّله لجميع نفقاته الخاصة من إقامة وسفر وطعام وتنقل.
إنجازات ميدانية
وأكد الدكتور الموصلي أن العمل الميداني بدأ حتى قبل انطلاق الحملة رسمياً، مشيراً إلى نجاح الفريق في إجراء أول عملية قلب مفتوح في مدينة حمص، وهو ما يعكس الجاهزية العالية للفريق الطبي، وأحد أهم جوانب الحملة، هو متابعة الحالات المرضية بعد العمليات، وهو ما يتم عبر قاعدة بيانات تم إعدادها مسبقاً، تتيح للأطباء متابعة المرضى والتعامل مع أي مضاعفات قد تطرأ، بالتعاون مع الفرق الطبية المحلية.
نقل المعرفة الطّبية
ونوّه الدكتور الموصلي بأهمية نقل المعايير الطبية الأوروبية، التي اكتسبها الأطباء السوريون في ألمانيا، إلى زملائهم داخل سوريا، مؤكداً أنّ الحملة تسعى لتعزيز التكامل بين الكوادر الطبية المحلية والوافدة، بما في ذلك فرق التمريض والمجالات الداعمة، بهدف تحقيق أكبر قدر من الفائدة للمرضى.
واختتم حديثه بالتأكيد على أنّ “شفاء” هي حملة “من السوريين إلى السوريين”، وتعبير صادق عن روح التضامن والعمل التطوعي في وجه الأزمات، ورسالة أمل بأن الطب قد يكون وسيلة وصل وتضميد لجراح بلد أنهكته الحرب.
حملات مستقبليّة
نقيب الأطباء- مؤسس منظمة الأطباء المستقلين الدكتور محمود مصطفى أوضح أنّ هذه الحملة الطبية الإنسانية تحت اسم”شفاء واحد”، هي الأولى ضمن سلسلة حملات تهدف إلى إجراء عمليات جراحية مجانية للمواطنين السوريين في عدد كبير من المحافظات.
وأكد أن الحملة تستهدف تغطية شاملة لمختلف المناطق، على أن تتبعها حملات أخرى أكثر تخصصاً، تركز على إجراء عمليات جراحية نوعية في مجالات طبية محددة، وتهدف هذه الخطوات إلى خدمة أكبر عدد ممكن من المواطنين، مع إشراك الكوادر الطبية المحلية من أطباء وممرضين، إضافة إلى الأطباء المتطوعين.
وأشار الدكتور مصطفى إلى أن منظمة الأطباء المستقلين، الشريك المحلي الأساسي، كان لها دور كبير في تأمين المستلزمات الطبية وتجهيز غرف العمليات، ما ساهم في تيسير انطلاق الحملة وتنفيذ العمليات الجراحية بكفاءة، مشدداً على أهمية التعاون بين الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية في ظلّ التحديات التي تواجه القطاع الصحي السوري المتضرر بفعل سنوات الحرب.
وأضاف: إن هذه المبادرات ستتيح لأطباء المهجر التعرف بشكل مباشر على الواقع الطبي داخل سوريا، ما يساهم في نقل الصورة الحقيقية إلى المجتمع الدولي، ويفتح آفاقاً جديدة لحلول عملية ومستدامة للمشكلات الصحية المتفاقمة.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن الحملات القادمة ستواصل العمل في مختلف المحافظات، بما يضمن وصول الخدمات الطبية إلى كل فرد من أبناء الوطن، ويعزز من قدرة القطاع الصحي على التعافي والنهوض مجدداً.
مبادرة كبرى
مدير البرامج في منظمة الأطباء المستقلين الدكتور فراس فارس أكد على أن حملة “شفاء” تُعد من أكبر المبادرات الطبية التي يقودها أطباء سوريون مقيمون في الخارج، وتحديداً في أوروبا وألمانيا، بهدف دعم القطاع الصحي في الداخل السوري.
وأوضح أن الحملة تشهد مشاركة أكثر من 100 طبيب من مختلف الاختصاصات، قدموا إلى سوريا لتقديم خدماتهم الطبية لأبناء بلدهم، بالتعاون مع الكوادر المحلية في عدد من المستشفيات السورية.
وأوضح الدكتور فارس أن الحملة تركّز نشاطها في ست محافظات، هي: درعا، دمشق وريفها، حمص، دير الزور، اللاذقية، وحلب، بالإضافة إلى إدلب، وتُجرى العمليات الجراحية في المستشفيات الكبرى ضمن هذه المناطق، وفق الإمكانيات والتخصصات المتاحة.
وأشار إلى أن باب التسجيل مفتوح أمام جميع المرضى من مختلف المناطق، شريطة توافق حالتهم مع الاختصاصات الطبية المتوافرة ضمن الحملة، داعياً من يحتاج إلى العلاج إلى المبادرة بالتسجيل للاستفادة من هذه الفرصة الإنسانية.
تخصصات متعددة وتغطية مجانية
استشاري الجراحة العامة ومنسق الحملة الطبية الدكتور مهدي عمار أكد على أهمية هذه المبادرة التي أطلقها عدد من الأطباء الاستشاريين والأكاديميين السوريين، مشيراً إلى أن الحملة جاءت استجابة للحاجة الملحة والدقيقة التي يعاني منها القطاع الصحي في سوريا، ولاسيما في ظلّ التحديات المتزايدة ونقص الإمكانيات.
وأوضح أنه تمّ التحضير للحملة على مدى ثلاثة أشهر، بالتنسيق بين مجموعة كبيرة من الأطباء السوريين من داخل وخارج البلاد، وتهدف إلى تغطية أكبر عدد ممكن من المحافظات السورية.
وأشار الدكتور عمار إلى أن الحملة تشمل تقديم خدمات طبية وجراحية متقدمة، تتركز على الحالات التي تتطلب تكاليف باهظة في المستشفيات الخاصة، ومن أبرز التخصصات التي تتعامل معها الحملة: جراحة القلب، الجراحة العصبية، الجراحة الوعائية، الجراحة البولية وجراحة الكلى، بالإضافة إلى تخصصات داخلية، صدرية، عينية، وعامة.
وأوضح أنه تم التنسيق مع وزارة الصحة لإطلاق منصة إلكترونية لجمع البيانات المرضية والشخصية للمرضى، وتم تصنيف الحالات ووضعها ضمن قوائم العمليات الجراحية بحسب الأولوية.
أكثر من 12 ألف حالة
وبين أنه بلغ عدد الحالات المسجلة حتى الآن أكثر من 12 ألف حالة، وهو عدد كبير يفوق التوقعات، مؤكداً على أن الحملة، رغم محدودية الوقت والإمكانات، تسعى جاهدة لمعالجة أكبر عدد ممكن من هذه الحالات، وتمتد الحملة لمدة ثلاثة أسابيع، حيث ستُقدَّم خلالها جميع الفحوصات والمعاينات الطبية مجاناً، إلى جانب إجراء العمليات الجراحية من دون أي مقابل.
وأكد الدكتور عمار على أن هذه المبادرة تعكس التزام الأطباء السوريين في الداخل والخارج تجاه وطنهم، وتعد خطوة مهمة لتعزيز التكافل ودعم القطاع الصحي الوطني.
تصوير- حسن خليل