الثورة- منهل إبراهيم:
تؤثر السياسة بشكل كبير في زعزعة أو استقرار دفة الاقتصاد، واليوم يواجه الاقتصاد العالمي ومستقبل الاستثمار تحديات كبيرة في ظل الوضع الجيوسياسي الراهن والتحديات الهيكلية التي تعصف بالدول الكبرى، وفي مقدمتها سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهوجاء في السياسة والاقتصاد، وأزمة الديون والتراجع الديمغرافي. ونشرت مجلة “ايكونوميست” مقالاً افتتاحياً بدأته بالقول: إذا لم تلحظ أن أميركا تنهب وتسلب وتغتصب وتسلب من قبل دول قريبة وبعيدة”، أو تُحرم بقسوة من فرصة الازدهار فتهانينا٬ لديك فهم أعمق للواقع من رئيس الولايات المتحدة. وتابعت المجلة: “فمن الصعب معرفة أيهما أكثر إثارة للقلق: أن يطلق زعيم العالم الحر هراء مطلقاً حول أنجح اقتصاداته وأكثرها إثارة للإعجاب، أم إن ترامب أعلن في الثاني من نيسان/ أبريل الجاري، مستلهماً من أوهامه، عن أكبر خرق في السياسة التجارية الأميركية منذ أكثر من قرن، مرتكباً بذلك أعمق خطأ اقتصادي وأكثره ضرراً في العصر الحديث”. وفي حديثه بالبيت الأبيض، أعلن الرئيس الأميركي عن رسوم جمركية “متبادلة” جديدة على جميع شركاء أميركا التجاريين تقريباً، ستُفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على الصين، و27% على الهند، و24% على اليابان، و20% على الاتحاد الأوروبي. وتواجه العديد من الاقتصادات الصغيرة معدلات ضرائب متقلبة، وتواجه جميع الدول المستهدفة تعرفة جمركية لا تقل عن 10%.
وبإضافة الرسوم الجمركية الحالية، سيبلغ إجمالي الضريبة المفروضة على الصين الآن 65%، وقد تم إعفاء كندا والمكسيك من التعرفات الجمركية الإضافية، ولن تُضاف الرسوم الجديدة إلى التدابير الخاصة بالصناعات، مثل تعرفة 25% على السيارات، أو التعرفة الجمركية الموعودة على أشباه الموصلات، لكن معدل التعرفة الجمركية الإجمالي لأميركا سيرتفع بشكل كبير ليتجاوز مستواه في عصر الكساد الكبير، أي في القرن التاسع عشر. وبحسب المجلة “وصف ترامب هذا اليوم بأنه أحد أهم الأيام في تاريخ أميركا، وهو محق تقريباً، يبشر بـ”يوم التحرير” بتخلي أميركا التام عن نظام التجارة العالمي وتبنيها للحمائية، والسؤال المطروح على الدول التي تعاني من تخريب الرئيس الأعمى هو: كيف يمكن الحد من الضرر؟”. وقالت المجلة الاقتصادية العالمية: “كان كل ما قاله ترامب هذا الأسبوع تقريباً – حول التاريخ والاقتصاد وتفاصيل التجارة – مضللاً تماماً، قراءته للتاريخ معكوسة”، مضيفة: “لطالما مجد ترامب حقبة التعرفات الجمركية المرتفعة وضرائب الدخل المنخفضة في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن الدراسات أثبتت أن التعرفات الجمركية أعاقت الاقتصاد في ذلك الوقت”.
وانتقدت المجلة الادعاء بأن رفع التعرفات الجمركية تسبب في كساد الثلاثينيات وأن تعرفات سموت-هاولي كانت متأخرة جداً لإنقاذ الوضع، والحقيقة هي أن التعرفات الجمركية جعلت الكساد أسوأ بكثير، تماماً كما ستضر بجميع الاقتصادات اليوم. وأكدت المجلة أنه في الاقتصاد، فإن ادعاءات ترامب “هراء محض”٬ حيث يقول الرئيس الأمريكي: إن التعرفات الجمركية ضرورية لسد العجز التجاري والذي يراه بمثابة نقل للثروة إلى الأجانب. وأشارت إلى “أن الإصرار على تجارة متوازنة مع كل شريك تجاري على حدة ضرب من الجنون- مثل الإيحاء بأن تكساس ستكون أكثر ثراء إذا أصرت على تجارة متوازنة مع كل ولاية من الولايات التسع والأربعين الأخرى”. وأكدت ايكونوميست “أن فهم ترامب للتفاصيل الفنية ضعيف٬ فقد ألمح إلى أن الرسوم الجمركية الجديدة استندت إلى تقييم رسوم دولة ما على أميركا، بالإضافة إلى التلاعب بالعملة وتشوهات مزعومة أخرى، مثل ضريبة القيمة المضافة، لكن يبدو أن المسؤولين حددوا الرسوم الجمركية باستخدام صيغة تأخذ عجز التجارة الثنائية لأميركا كنسبة مئوية من السلع المستوردة من كل دولة”. وقالت إن “هذا السرد من الحماقات سيُلحق ضرراً لا داعي له بأميركا٬ حيث سيدفع المستهلكون أكثر وستكون خياراتهم أقل، إن رفع أسعار قطع الغيار لمصنعي أميركا مع حرمانهم من ضوابط المنافسة الأجنبية سيجعلهم ضعفاء”.