ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تتبعثر الملفات التي أراد لها الغرب أن تتدحرج في سياق الرغبة باللعب في الوقت بدل الضائع للاحتفاظ بإدارة الخراب والدمار، وترك الحبل على الغارب للتجريب، وفي كل الاتجاهات.
وحدها القطبة المخفية كانت تعيد ربط الملفات عند نقطة واحدة، أساسها وجوهرها أن كل ما جرى وما يجري في المنطقة، والذي سيجري، كان يُراد له أن يصب في المصلحة الإسرائيلية، وكان لا بدّ من البحث عن العامل الإسرائيلي في كل تطور أو موقف، سواء جاء من الغرب بعموميته وخصوصيته أم من أدواته الإقليمية.
ورغم الأدوار الخلفية التي أُسندت إلى إسرائيل في بداية الأحداث، فإن الكثير من القرائن التي توافرت كانت كافية للإقرار بأن الخروج الإسرائيلي إلى العلن، والبدء بتنفيذ مهمات مباشرة، سواء ما تعلق منها بتصعيد وتوتير الأوضاع أم ما ارتبط بتقديم الدعم المباشر للتنظيمات الإرهابية بشقيه العلني والمخفي، كان يؤشر إلى المأزق القائم في المشروع الغربي والأميركي على وجه التحديد، وأن أوجه خدمة المصلحة الإسرائيلية قد تعرضت لانتكاسات متعددة دفعت بها إلى المغامرة بالخروج العلني والانخراط المباشر سواء جاء بضوء أميركي أم من دونه.
التعويل على الظهور الإسرائيلي كان أبعد من مجرد إظهار للارتباط المباشر بين خيوط المشروع وتماهي الأهداف والغايات التي رسمها، حيث كان الرهان الخليجي بالاعتماد على الفرضية الغربية يحاكي خطين متوازيين.. الأول: يجزم بأن الظهور الإسرائيلي سيقلب المعادلة، وبالتالي سيرجح كفة المشروع الغربي، وأن بإمكان إسرائيل أن تعوّض نقاط الخسارة المتدحرجة، أو في الحد الأدنى إيقاف هذا التدحرج، وترميم ما أصابه، والثاني: يعوّل على استحالة أن تتمكن روسيا من جمع المعارضة والحكومة في منتدى موسكو وفي أسوأ الحالات لن تتمكن من إحداث أي اختراق حتى لو تم اللقاء.
اليوم.. سيناريو التعويل والرهان يبدو في انتكاسة مزدوجة، بل أُصيب بارتجاج وصدمة دفعت إلى خلط الأوراق، وبعض الرهانات بدت خاوية، وبدأت تصفق ذهاباً وإياباً خالية الوفاض وعارية حتى من ورقة التوت، فأُسقط في يدها وبدأت تضرب أخماساً لأسداس بحثاً عن طوق نجاة مما آلت إليه الحسابات والمعادلات.
فالظهور الإسرائيلي بسلسلة اعتداءات مباشرة وغير مباشرة، وانخراطه في كفة التنظيمات الإرهابية لم يوصل إلى نتيجة، بقدر ما قاد المراهنين إلى مأزق حقيقي، كشف عن هشاشة الاعتقاد والسذاجة في الحسابات على قوة طائشة لم يعد لها دور مرجح كما جرت العادة، ولا وزن لها في لعبة السياسة ولا دور في تحديد اتجاهات الحدث، وما كانت تتوهم أنه الذراع المخفي والاحتياط الاستراتيجي في المشروع الغربي يحتاج إلى من يحميه، وإلى من يحتمل أخطاءه ومغامراته غير المحسوبة، خصوصاً بعد أن جاء ردّ المقاومة محكماً ومتقناً في سحب كل الذرائع التي يتخفى خلفها هو ومن يدعمه ويستقوي به في الخفاء والعلن من العرب والأعراب.
على الخط الآخر كانت لقاءات موسكو تشقّ طريقها نحو تأسيس ممنهج.. سياسي وإعلامي ودبلوماسي متقن، بحيث إن النتائج ربما فاجأت أكثر المتفائلين، حين استطاعت أن تشكل محددات مبدئية، وأن تنقل الحاضنات السياسية إلى الخانة الوطنية، وما بقي خارجها بدا مجرداً من كل أوراقه، وهو ما ترجمته مواقف وحسابات ومعادلات تنطلق ببساطة من القطبة المخفية، أو تعود أدراجها إلى القطبة المخفية الموازية في كل المعادلات، سواء جاءت افتراضية أم كانت حقيقية، حيث محور المقاومة ومن يقف في خطه يسجل فائضاً مريحاً من النقاط للجولات القادمة، ويعدّل من الاتجاه في الصعود والهبوط لمصلحة مشروع استعادة المنطقة بمكوناتها الحقيقية لزمام المبادرة.
في السعار الغربي كان الفشل يرتسم حتى في أروقة مجلس الأمن الذي اعتاد أن تكون بياناته وقراراته جاهزة لتحميل المسؤولية للمقاومة والدفاع عن إسرائيل، خصوصاً أن عملية المقاومة أعادت الإيقاع الذاتي للأحداث، وفرض حضوره الموضوعي في سياقه، حيث الاجتماع الأخير كان منعطفاً مفصلياً، سيكون له ما بعده على ضوء العجز عن أخذ مجلس الأمن-كما كانت العادة- إلى حيث تريده أميركا والغرب.
الواضح أن الخيبة تتسع في دائرة ارتدادات بمفعول رجعي استوقف الكثير من المتابعين على خط المواجهة المفتوحة، حيث الغرق الغربي يزداد، والفشل البادي على مختلف معالم حساباته ومعادلاته يتضاعف، فيما يتراكم على الضفة الأخرى المزيد من الشواهد على أن اللعبة السياسية في العالم لم تعد حكراً على الأميركي، ولا هي رهن بالإسرائيلي، ولا يمكن التعويل عليه بعد الآن لقلب الموازين والمعادلات أو تغيير الاتجاهات!!
a.ka667@yahoo.com