الثورة – نور جوخدار:
في خضم التحولات السياسية التي شهدتها سوريا، ومع إعادة رسم المشهد الإعلامي بما يواكب تطلعات السوريين نحو إعلام حر وشفاف، تعود السلطة الرابعة إلى الواجهة محمَّلة بمسؤولياتها المهنية وواجباتها المجتمعية، فبعد سنوات من التضليل الذي مارسه نظام الأسد المخلوع، تسعى الصحف الوطنية اليوم لإعادة تموضعها كمنابر حرة تعبِّر عن صوت الشارع السوري، وتعيد الاعتبار لحقيقة غابت طويلاً خلف عناوين مكررة وخطابات مؤدلجة دون خوف أو ارتياب قمعي.
منذ سقوط النظام، لم تتوقف غرف تحرير صحيفة الثورة عن العمل، لكنها اليوم تشهد وتيرة جديدة بإدارتها الجديدة التي وضعت خططاً تحريرية حديثة واستراتيجية مهنية تتماشى مع متطلبات الإعلام الرقمي المتسارع، الهدف منها استعادة ثقة القارئ بالإعلام الوطني وإعادة بناء رأي عام حر، منفتح على جمهور أنهكه كتم الأصوات ومصادرة الحقائق.
– الإعلام بين سطوة النظام والتحرر من القيود:
انطلاقاً من هذه الرؤية، أكَّد رئيس تحرير صحيفة الثورة نور الدين الإسماعيل، خلال حوار خاص استعرضنا فيه واقع الصحافة السورية اليوم وخططها القادمة، أن الإعلام السوري يعيش حالة انتقال وتحول جوهري، بعد سنوات كانت فيها الأجهزة الأمنية تسيطر على الأقلام والعدسات، ليصبح الإعلام الرسمي مجرد ناطق باسم النظام، وأداة في يده يوجهه وفق أجندات ومصالح، حتى فقد الإعلام قيمته، وأضاع بوصلته، وباتت الصحافة السورية تعج بمواد مكرورة وأحداث متشابهة، يمكن للقارئ توقع مضمونها قبل تصفحها أو قراءتها.
وأشار إلى أن المرحلة الحالية تتطلب بناء جسور ثقة جديدة مع الجمهور الذي فقد ثقته بالإعلام السوري، منوها أن هذا لن يتحقق إلا عبر تقديم إعلام موضوعي صادق، يلتزم بسياسة الدولة الخارجية، لكنه في الوقت ذاته ينقل هموم المواطن ومشكلاته، ليكون بالفعل جسراً بين الحكومة والمواطن، وبهذا الشكل فقط يمكن أن يُطلق عليه اسم “السلطة الرابعة” عن جدارة.
– إعادة هيكلة تحريرية:
وحول أبرز الخطوات العملية التي اتُخذت لتأهيل صحيفة الثورة كشف الإسماعيل أنه بدأ بإجراء دراسة شاملة لواقع الصحيفة، حدد خلالها نقاط الضعف التي تسببت بتراجع الأداء، ومن ثم قام بوضع خطة لإعادة النهوض بالمحتوى عبر إعادة هيكلة الأقسام، ومحاولة تنظيم تدريبات لعدد من الصحفيين، واستقطاب أقلام صحفية مهنية، مع متابعة المحتوى اليومي للوصول إلى مستوى مهني يليق بجمهور بات أكثر وعياً.. موضحاً أن من أهم الأولويات اليوم هو ضبط المحتوى لتقديم مواد صحفية مهنية خالية من الحشو والإنشاء والتي تفتقر إلى قواعد الكتابة الصحفية، مع العمل على خطوات إضافية سيُعلن عنها في مراحل لاحقة.
أما عن السياسة التحريرية الجديدة، فأكَّد رئيس التحرير أن ملف السياسة التحريرية الشاملة للصحيفة سيكون جاهزاً خلال أيام، ويعتمد بالدرجة الأولى على تغيير المصطلحات التي فرضها النظام المخلوع على وسائل الإعلام، وفتح مساحة أوسع للصحفيين للتحرك ضمن معايير حرية الصحافة، ما يساعدهم على إنتاج محتوى أكثر احترافية، يعيد الثقة بين الوسيلة وجمهورها.
– استحداث أقسام “للميديا”:
وبحسب الإسماعيل فقد تم استحداث أقسام خاصة بـ”الميديا” ضمن الصحيفة وهو ما كانت تفتقر إليه خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى تأهيل هذه الأقسام بخبرات وكوادر متطورة تتماشى مع التطور الإعلامي وأهمية الصورة والفيديو “الميديا” في نقل المعلومة، وأن العمل جارٍ على إعداد خطط لإنتاج مواد وبرامج مصورة مستقبلية تكسر حالة التقوقع والجمود الذي تعاني منه الصحيفة.
– تحديات مهنية واقتصادية أمام الصحافة السورية:
وفيما يخص أبرز التحديات والمعوقات، يقول الإسماعيل إن هناك تحديات كبيرة منها الواقع الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد والذي انعكس على أداء المؤسسات الصحفية، حيث مازال الصحفيون يفتقرون إلى الأدوات المتطورة اللازمة التي تساعدهم في إنتاج المواد الصحفية، إضافة إلى ذلك عدم القدرة على استقطاب الكفاءات المهنية لذات الأسباب، مبيناً أن تدني مستوى الخبرة لدى البعض يمثل تحدياً مهماً، نتيجة غياب فرص التدريب والتطوير خلال السنوات الماضية، وعدم مواكبة أساليب الصحافة العالمية التي تجذب الجمهور بمعايير مهنية عالية.
– مبادرات تدريب بيد خبراء دوليين:
على صعيد الحلول والمبادرات المهنية التي يعملون عليها لإعادة تأهيل الكوادر أوضح رئيس التحرير أنه تواصل مع عدد من الخبراء والمدربين الصحفيين الذي لهم باع طويل في التدريب ومنهم حائزون على جوائز دولية، من أجل تدريب الكوادر وصقل مهارات الصحفيين وفق أحدث ما وصل إليه العمل الصحفي.
– ردم الهوة بين الإعلام والحكومة:
وحول الإجراءات التي يتخذونها مع الحكومة ومؤسسات الدولة، قال الإسماعيل أنه تم اللقاء مع عدد من الوزراء والمسؤولين لردم الهوة والفجوة بين الإعلام ومؤسسات الدولة وتأمين طرق للحصول على المعلومة بالشكل الأسرع الذي يخدم المواطن، مشيراً إلى أن هناك لقاءات قادمة مع بقية الوزراء والمسؤولين للسبب نفسه.
– عودة “الثورة” ورقياً لكن بعد الجاهزية:
وفي ختام الحوار، كشف إسماعيل أنه جرى طباعة عدة نسخ تجريبية من صحيفة الثورة ورقياً، لكنها مازالت دون المستوى المأمول بسبب توقف المطبعة لأكثر من خمس سنوات، وأكَّد أنه مع انتهاء صيانة المطابع واستكمال تدريبات الكادر، يمكننا أن نبدأ بالطباعة لتعود الصحيفة إلى قرائها بروح جديدة تواكب المرحلة التي تعيشها سوريا.