ثورة اون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســــــم
قُدّر للمبعوث الأممي أن تكون محادثاته في دمشق شاهداً على تطورات ميدانية موازية، لا تكتفي برسم معادلات على الأرض، بل ترسمها أيضاً -ولو بعد حين- في حقول السياسة،
حيث الأسئلة التي كان يحملها معرضة للتضاعف، حالها في ذلك حال الأجوبة التي يحار في تقديمها، ويشعر بكثير من الارتباك في تحديد دقيق لمعطياتها، بعد أن تضيف التطورات أخطر الأسئلة، ولا تغفل البحث عن كثير منها على هوامش التطورات تلك.
فإذا كانت حالة الهلع والارتباك التي سادت وتسود في أوساط المجموعات الإرهابية تعكس ما يجري في كواليس المشهد السياسي الإقليمي والدولي المراهن على الإرهاب، وخصوصاً من ارتبطت سياستهم المباشرة بوجود تلك التنظيمات، فإن التطورات التي أحدثتها عمليات الجيش السوري في الجنوب قلبت الحسابات والخيارات التي كان بعضها قد تم وضعه على الطاولة، وبنى فرضياته على أن الأرض باتت تفرض واقعاً مختلفاً يصعب على السوريين تغييره في المدى المنظور.
الرهان لدى البعض الإقليمي -وتحديداً في الجوار الجنوبي منه- كان أكثر من ذلك, حيث أفرط في أوهامه وبالغ في التعاطي مع المسألة من زاوية الجزم بما توافر لديه من مؤشرات كاذبة ومخادعة، حتى إنه لم يردّ على الوثائق والمعطيات التي تحدثت بصوت واضح عن دور في احتضان غرفة عمليات لإدارة المرتزقة، التي اختصت بالتدريب والتخطيط وتسليك مرور الإرهابيين.
على المنوال ذاته كانت دول غربية كثيرة قد أعطت أوامرها لمرتزقتها وأدواتها في المنطقة للمباشرة في المرحلة النهائية من خطة كانت قد وضعت منذ سنين، بحيث يكون المرتزقة من يدير المنطقة التي يراد لها أن تكون تحت سيطرتهم أو تكليف الأردن وإسرائيل بإدارتها أو إحداهما منفردة.
وحتى التعامل الأميركي مع الجهود السياسية بما فيها مهمة دي ميستورا انطلق من الزاوية ذاتها ليكون مجرد اشغال للوقت ريثما تفرض تلك الخيارات وجودها العملي على الأرض.
المفاجأة لم تكن في العملية بحد ذاتها وما تحمله من معطيات جديدة في التعامل السوري معها، بل في الشكل والمضمون أيضاً الذي عجزت الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية والأردنية معها عن وضع ذلك حتى في حساباتها الافتراضية، حيث ترسم حداً فاصلاً قد يكون مفصلياً في الاتجاهين السياسي والميداني.
ما تعكسه التطورات المتسارعة والخطوات المتلاحقة التي يقوم بها الجيش العربي السوري أنه ليس هناك من بديل سوى الإقرار بأن قواعد المعادلة التي افترضها الغرب وراهن عليها الجوار الإقليمي قد تغيرت، حالها في ذلك حال قواعد الاشتباك التي كان معمولاً بها، حيث المشهد لا يحتمل التأويل ولا يقبل التفسير الحمّال للأوجه بقدر ما يفرض حقائق ومعادلات جديدة..
في كل الأحوال، سيكون من السابق لأوانه الحديث عن تلك التداعيات، خصوصاً أن المعطى الميداني لم يتوقف ولن يتوقف، وإن بقي الارتداد الإقليمي أكثر وضوحاً، وقد وضعته التطورات عارياً حتى من ورقة التوت، وخيارات من احتمى بالإرهاب وراهن عليه لا تبدو أفضل حالاً.
المحسوم أن سورية التي أكدت منذ البداية على أنها تسير في محاربة الإرهاب، ولا تغفل عينها عمّا يجري في كواليس السياسة، بل تعاطت بإيجابية مع كل جهد دولي، تدرك مسبقاً أن دحر الإرهاب من أراضيها هو مهمتها وأن اجتثاثه من صلب خياراتها، وهو أمر لم تكن تربط بينه وبين ما يجب عمله سياسياً.
ولا تزال ترى أن الفرصة سانحة أمام المجتمع الدولي لالتقاط اللحظة التي تواجه فيها سورية كل هذا الإرهاب لينسق معها لمحاربته، وهذا ينطبق على الجميع، وإن كانت فرص من تورط بدعم الإرهاب ومن لا يزال حتى اللحظة يعوّل عليه قد اقتربت من نقطة الصفر، بعد أن تخطت صفاقتهم كل الحدود، وتجاوزت كل العتبات، ونستطيع أن نجزم أن المبعوث الأممي يدرك ذلك ولا تغيب عن ذهنه هذه الحقائق.
a.ka667@yahoo.com