الثورة _ هني الحمدان:
في تحول مفصلي في مسار العلاقات الدولية تجاه سوريا، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية – عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) – إصدار الترخيص العام رقم 25، الذي يفتح الباب واسعاً أمام استئناف المعاملات المالية والتجارية مع الحكومة السورية ومجموعة من المؤسسات الحيوية في الاقتصاد الوطني.
القرار الذي جاء عقب تصريح من الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، اعتُبر بمثابة إشارة واضحة على تبني واشنطن نهجاً جديداً في التعامل مع الملف السوري، يرتكز على منح القيادة السياسية الجديدة في دمشق فرصة جدية للنجاح وإعادة النهوض.
الترخيص العام رقم 25 يتجاوز كونه مجرد تعديل فني على نظام العقوبات، ليؤسس لمرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي، إذ سمح بالتعامل المباشر مع الحكومة السورية بشخص رئيسها أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، وأتاح أيضاً التعاون مع كيانات وشركات حيوية مثل المصرف المركزي السوري، البنك التجاري السوري، شركة المحروقات، وزارة السياحة، والخطوط الجوية السورية.
كما شمل القرار مؤسسات كبرى مثل شركة بانياس لتكرير النفط، المصرف الصناعي، والشركة العامة للنفط، وغيرها من المصارف والشركات التي كانت مشمولة سابقاً بحظر شامل.
وجاء في التوضيحات الرسمية أن القرار يجيز أيضاً التعامل مع أي كيان تملك فيه الأطراف المذكورة نسبة 50% أو أكثر.
ورغم أن هذا القرار لايُعد رفعاً كلياً للعقوبات، إلا أن أثره الاقتصادي المتوقع كبير.
فالخطوة الأميركية تسهم فعلياً في إعادة دمج سوريا ضمن النظام المالي العالمي، مع احتمال إعادة تفعيل التعامل عبر شبكة “سويفت”، بما يتيح حرية أكبر في الحوالات المالية، ويفتح الباب لعودة المصارف السورية إلى علاقاتها الخارجية. كذلك، فإن تخفيف القيود على التعامل مع قطاع النفط سيساعد في استعادة قسم مهم من إيرادات الدولة، ويحفِّز شركات الطاقة على العودة إلى السوق السورية.
أما قطاع الطيران والنقل، فمرشح بدوره لتحقيق قفزات نوعية بعد سنوات من العزلة، وهو ما قد ينعكس على تنشيط السياحة والخدمات.
يُضاف إلى ذلك أن تحرير التعاملات مع مؤسسات مالية واقتصادية داخل سوريا يعزز مناخ الثقة لدى المستثمرين، ويشجع دولاً أخرى على تبني سياسات مشابهة، خاصة في ظل توجه أوروبي مشابه اتخذته بروكسل منذ أيام، سبقتها لندن بخطوات جزئية نحو تخفيف العقوبات. وبينما لم تعلن بعد سويسرا أو كندا خطوات مماثلة، إلا أن المشهد الدولي يشير إلى تبلور موقف جماعي أقرب إلى إعادة تأهيل الدولة السورية ضمن المنظومة الاقتصادية العالمية، دون أن يتضمن ذلك تنازلاً عن الملفات السياسية العالقة.
ومن الناحية السياسية، فإن قرار واشنطن يبعث برسالة واضحة مفادها أن هناك رغبة أميركية فعلية في إحداث قطيعة مع سياسة العقوبات الخانقة التي أثبتت فشلها في تغيير الوقائع الميدانية أو السياسية، بل على العكس، يبدو أن الإدارة الأميركية وجدت في القيادة السورية الجديدة مبرراً كافياً لإعادة تقييم الموقف والدفع باتجاه تسوية أكثر واقعية، تعيد الاستقرار إلى المنطقة وتمنح السوريين فرصة التقاط الأنفاس بعد سنوات من الضغط الاقتصادي غير المسبوق.
لاشك أن الطريق مازال طويلاً، وأن التحديات القائمة – سواء في البنية التحتية أو في قطاع الطاقة والمصارف – تحتاج إلى جهود كبيرة واستثمارات ضخمة، لكن ما جرى يمثل فرصة نادرة يتوجب البناء عليها سريعاً.
إنها لحظة سياسية واقتصادية استثنائية، قد تُفضي إلى مرحلة جديدة من التعافي والانفتاح، إذا ما أُحسن استثمارها من قبل القيادة السياسية والقطاعات الإنتاجية، بما يعيد لسوريا موقعها الطبيعي في الاقتصاد الإقليمي والدولي.