الثورة _ أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، اليوم الجمعة 23 أيار 2025، دخول الترخيص العام رقم 25 الخاص بسوريا حيّز التنفيذ، بما يمثل رفعاً فورياً وشاملاً للعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، ويشمل القرار رفع القيود عن الرئيس “أحمد الشرع”، ووزير الداخلية “أنس خطاب”، إلى جانب البنك المركزي، والبنك التجاري السوري، ومرافئ اللاذقية وطرطوس، وعدد من الوزارات الرسمية، بالإضافة إلى الخطوط الجوية السورية وفندق الفور سيزن بدمشق.
ويأتي هذا القرار تماشياً مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 أيار الحالي، عن إنهاء نظام العقوبات على سوريا، في أعقاب اللقاء التاريخي الذي جمعه بالرئيس الشرع في العاصمة السعودية الرياض، بوساطة تركيا – سعودية.
قرار رفع العقوبات، لاسيما عن الرئيس “أحمد الشرع،” يحمل بعداً سياسياً عميقاً، ويُفهم على أنه اعتراف دولي ضمني بشرعية السلطة السورية الجديدة، فالشرع، الذي صنّف سابقاً على لوائح الإرهاب، بات الآن خارج إطار القيود والعقوبات، ما يُعبر عن إعادة تقييم أمريكية شاملة لسياسته وخياراته.
كما أن القرار يعكس توجهاً جديداً لدى الإدارة الأمريكية لطيّ صفحة الماضي، والتعامل مع الواقع السوري الجديد كفرصة سياسية وأمنية تستحق الاستثمار فيها، ويُعد جزءاً من استراتيجية إعادة تموضع أمريكية في الملف السوري، بعيداً عن العزلة السابقة، إذ تسعى واشنطن لقطع الطريق أمام النفوذ الإيراني في دمشق، وإعادة دمج سوريا ضمن الحاضنة العربية والدولية، في ظل التحولات الإقليمية السريعة.
وبحسب مسؤولين أمريكيين، فإن “الشرع” بات يُنظر إليه كشخصية قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية، وضمان الاستقرار الأمني، ومحاربة بقايا التطرف، واحتواء التحديات المجتمعية في مرحلة ما بعد الأسد.
وبحسب بيان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، فإن الترخيص العام رقم 25 يتيح الاستثمارات الأجنبية الجديدة، وتقديم الخدمات المالية، وإجراء المعاملات التجارية المباشرة مع مؤسسات الدولة السورية، ويُعد رفعاً فعلياً للعقوبات التي فُرضت منذ عام 2011.
كما شمل القرار إعفاءً خاصاً من قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، وهو القانون الذي شكّل أبرز أدوات الضغط على النظام السابق. ووفق وزير الخزانة سكوت بيسنت، فإن القرار “يمهد لبداية جديدة لسوريا”، ويُجسّد دعم واشنطن لـ”دولة موحدة تنعم بالسلام والفرص”.
رغم شمولية القرار، أكَّدت وزارة الخزانة أن الترخيص لا يشمل أي جهات مرتبطة بإيران، أو روسيا، أو كوريا الشمالية، ولا يُغطّي الأفراد أو الكيانات المتورطة بانتهاكات حقوقية، أو في الإتجار بالمخدرات، أو دعم الإرهاب.
وأكَّدت واشنطن أن الترخيص ليس دعماً غير مشروط، بل يتضمن التزامات من الحكومة السورية الجديدة، أبرزها عدم توفير ملاذ للمنظمات الإرهابية، وضمان حماية الأقليات، والامتثال للمعايير الدولية في مكافحة الفساد.
بالتوازي، منحت شبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN) إعفاءً خاصاً يسمح للمؤسسات المالية الأمريكية بفتح حسابات مراسلة مع “المصرف التجاري السوري”، في خطوة تهدف إلى تسهيل التحويلات المالية وإعادة دمج سوريا في المنظومة المصرفية العالمية، ويُتوقع أن تُسهم هذه الإجراءات في تحفيز الاستثمار في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والصناعة والخدمات المالية، ما يُعد بداية فعلية لمرحلة تعافٍ اقتصادي طويل الأمد.
ودعت وزارة الخزانة المستثمرين الأجانب إلى اغتنام ما وصفته بـ”الفرصة التاريخية” للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، مؤكدة أن آليات قانونية واضحة ستُصدر في الأيام المقبلة لتنظيم وتنفيذ هذا الانفتاح الاقتصادي.
واختتم بيانها بالإشارة إلى استمرار التنسيق بين الجهات الأمريكية المعنية لضمان الشفافية وتقديم الدعم الفني، مع إبقاء خط الامتثال مفتوحاً أمام الشركات الدولية الراغبة بالعمل في السوق السورية.
ولا يشكل قرار رفع العقوبات الأمريكية مجرد انفراج اقتصادي، بل إعادة تعريف شاملة للمشهد السياسي السوري، وتحول في موقف القوى الكبرى تجاه دمشق، وهو بداية لمسار دولي جديد قد يُعيد لسوريا دورها الإقليمي المفقود… لكن الرهان يبقى على القدرة المحلية على توظيف هذه اللحظة لتحقيق عدالة حقيقية، وتنمية مستدامة، ومصالحة وطنية شاملة.