أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
أعلنت “نقابة الفنانين السوريين” خلال مؤتمر صحفي في مقرها الرسمي، عزمها نقل رفات الفنانتين الراحلتين (مي سكاف وفدوى سليمان) إلى سوريا، وذلك بعد التشاور مع ذويهما والتنسيق الكامل مع عائلتيهما، في خطوة رمزية لتكريمهما وإعادة الاعتراف الرسمي بتضحياتهما خلال سنوات الثورة السورية.
وأكدت النقابة منح “عضوية الشرف” للمخرج الشهيد باسل شحادة، والعمل الجاد على متابعة أوضاع شهداء الثورة من الفنانين، والسعي لمعرفة مصائر المفقودين منهم ودعم أسرهم بكل الوسائل الممكنة، لمن وقفوا في صف الشعب السوري الثائر، وناصروه في ثورته ضد الاستبداد، متحملين كل المخاطر والتحديات والتهديدات التي واجتهن.
“مي سكاف وفدوى سليمان” الثائرات البطلات كما يصفهن الشعب السوري الثائر، لم يكتب لهن العيش حتى انتصار الثورة وسقوط الطاغية، لكن مواقفهما بقيت خالدة رغم رحيلهما بعيداً عن الوطن، وكان لهما دور فاعل وبارز في نصرة الحراك الشعبي، وكانا سفراء للسلام والحرية في البلدان التي هاجرا إليها مجبرين.
مي سكاف.. “لن أفقد الأمل” حتى الرمق الأخير
يصادف يوم 23 تموز 2021 الذكرى الثالثة لرحيل الفنانة مي سكاف، التي توفيت في منفاها بفرنسا بعد صراع مع المرض، بعدما كانت من أبرز الداعمين السلميين للثورة السورية منذ انطلاقتها، الفنانة الراحلة وُلدت في دمشق في 13 نيسان 1969، وتنحدر من الطائفة المسيحية الدمشقية، واعتُبرت من القلائل الذين حافظوا على موقف معارض ثابت حتى وفاتها.
كانت آخر كلماتها على صفحتها في فيسبوك قبل يومين من وفاتها: “لن أفقد الأمل… إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”، لتغدو بذلك صوتًا ثوريًا لا يُنسى، وصورة حاضرة في وجدان آلاف السوريين.
اعتُقلت سكاف أكثر من مرة في دمشق، وأفرج عنها بعد عشرة أيام، لتغادر بعدها إلى الأردن ومن ثم إلى فرنسا برفقة ابنها، حيث استقرت حتى وفاتها. وتشير بعض الروايات إلى أنها توفيت إثر نوبة قلبية، بينما لم يستبعد آخرون فرضية اغتيالها من قبل النظام السوري.
وكانت قد دُفنت في الثالث من آب عام 2018 في ضاحية دوردان جنوب العاصمة الفرنسية، وسط حضور كبير لأبناء الجالية السورية، وشخصيات ثورية وفنية عديدة، وحظيت مراسم وداعها بمكانة خاصة باعتبارها “أيقونة الثورة السورية”.
فدوى سليمان.. أيقونة الثورة في شوارع حمص
في 17 آب 2017، رحلت الفنانة فدوى سليمان، التي توفيت في فرنسا بعد صراع مع المرض، مخلفةً إرثًا نضاليًا استثنائيًا في مسيرة الثورة السورية، الفنانة المنحدرة من الطائفة العلوية، وُلدت في عام 1970، وكانت من أوائل الفنانين الذين نزلوا إلى الشوارع لمشاركة المتظاهرين السلميين، متحدية النظام وتقاليده القمعية.
شاركت سليمان الشهيد عبد الباسط الساروت في المظاهرات الحمصية، ورفضت الانجرار إلى الطائفية، مؤكدة في أكثر من مناسبة أنها “سورية قبل كل شيء”، مشددة على أن الثورة ليست ضد طائفة أو عرق، بل من أجل الكرامة والحرية.
درست فدوى في المعهد العالي للفنون المسرحية، وشاركت في مسلسلات عدة مثل “الطويبي”، “نساء صغيرات”، و”هوى بحري”، كما شاركت في أفلام ومسرحيات وإذاعيات متنوعة، قبل أن تضطر إلى مغادرة سوريا عام 2012 عبر الأردن، لتستقر لاحقًا في فرنسا.
الصحافة الفرنسية نعتها بلقب “أيقونة الثورة السورية”، وذكرت صحيفة “ليبراسيون” أنها رفضت وصفها بـ”الناشطة العلوية”، مؤكدة أن الطائفية كانت لعبة النظام الأولى في حمص. كما وصفتها بـ”صاحبة الجمال الداكن الشبيه بجمال آنا ماغناني”، مشيرة إلى أنها قضت أعوامها الأخيرة في إقناع العالم بعدالة القضية السورية.
وأعلنت نقابة الفنانين عن تحضيرات لإقامة احتفالية مركزية في الذكرى المقبلة لانطلاق الثورة السورية، لتكريم رموز فنية ساندت الشعب في مطالبه بالحرية، وكذلك لتكريم أسماء فنية كبيرة ساهمت في إثراء الحياة الفنية والثقافية.
وستُنظَّم النقابة مهرجانات فنية بإشراف النقابة، تشمل مهرجانًا موسيقيًا يتضمن سهرات جماهيرية وفقرات غنائية لتكريم الشهداء والفنانين، إضافة إلى مهرجان للفنون المسرحية بمشاركة واسعة من الفرق المسرحية من داخل وخارج سوريا. وتسعى النقابة لتقديم اقتراح رسمي لتسمية عدد من صالات المسارح بأسماء فناني شهداء الثورة.
رمزية استعادة رفات “مي سكاف” و”فدوى سليمان” إلى الوطن بعد الانتصار على نظام الاستبداد تتجاوز البعد الإنساني، لتتحول إلى لحظة وطنية ذات دلالات سياسية وثقافية وتاريخية عميقة، وتمثل عودة رمزية لصوت الحرية إلى سوريا، ذلك الصوت الذي حاول النظام طمسه بالنفي والملاحقة والتهديد، لكنه استمر في التعبير عن وجدان الشعب، واعترافًا رسميًا ووطنيًا بشجاعة المرأة السورية في ثورتها، وإعادة الاعتبار لدور النساء في قيادة الحراك الشعبي، ليس
فقط كمساندات بل كمبادرات وصانعات للوعي والتغيير.