الثورة – عامر ياغي:
“القصة مو قصة رمانة، القصة قصة قلوب مليانة”، من حالة عدم الانضباط داخل وخارج مدينتي دمشق وريفها، وتحول مناطقها السكنية والتجارية على حد سواء إلى معارض مجانية “وبالهواء الطلق” لعرض عشرات السيارات الجديدة منها والمستعملة المستوردة خلال الأشهر القليلة الماضية للبيع المباشر.
المضحك المبكي في الأمر هو سرعة تحول بعض الأشخاص وتحديداً “أصحاب المكاتب العقارية- بيع القطع التبديلة- المكاتب الهندسية..” بين ليلة وضحاها إلى تجار وبائعي سيارات، وقيامهم عن سبق إصرار وتصميم باقتطاع مساحات غير هينة من الشوارع العامة والأرصفة المقابلة أو الملاصقة لمقارهم وحجزها من دون وجه حق أو مبرر قانوني لعرض مركباتهم “بالطول والعرض”، وترك أصحاب الشقق السكنية والمحال التجارية لمصيرهم المجهول في البحث عن مكان يركنون فيه مركباتهم، رتلاً أول وليس ثانياً أو ثالثاً، كما يجري اليوم على أوتوستراد المزة ومناطق التجارة والقصور والعدوي والمزرعة وشارع بغداد بدمشق والقائمة تطول”.
وباعتبار أن الشيء بالشيء يذكر فقد وصف البعض ما يجري بـ “حارة كل مين إيدو ألو” في حين شبه البعض الآخر ما يحدث في شوارعنا وعلى أرصفتنا بقالب الحلوى الذي يتم تقطيعه كما يشتهي ويرغب البعض بناء على مصلحته الشخصية الضيقة لا العامة المشتركة التي تشمل الجميع من دون استثناء.
إرباكات
نبيل أبو محمد- موظف متقاعد، 74 سنة، أكد أن هذه التصرفات الفردية اللا مسؤولة أوقعته وساكني البناء الذي يقطن فيه في إرباك كبير نتيجة تلك الإشغالات التي تزداد وتنقص حسب حركة البيع والشراء، ودفعهم مجبرين لا مخيرين إلى البحث عن موقف لركن سيارته على بعد مئات الأمتار في كثير من الأحيان، أو ركنها رتلاً ثانياً، ونقلها ليلاً، “بعد الانتظار والمراقبة الدائمة” إلى أقرب مكان من البناء الذي يقطن فيه.
المهندس طلال- عضو لجنة شاغلي أحد الأبنية السكنية، أشار إلى أنه يضطر بشكل شبه يومي إلى إحضار سيارته من مكان يبعد عن البناء الذي يسكن فيه، ومن ثم الصعود إلى بيته لإنزال والدته المريضة “انتكاس بالمفاصل ومرض قلب، لزيارة الطبيب، على سبيل المثال لا الحصر، ومن ثم العودة لتكرار السيناريو ذاته ركن السيارة رتلاً ثانياً، وإيصال والدته إلى المنزل، والنزول فوراً للبحث عن موقف عام مخصص لقاطني الأبنية السكنية التي لا يوجد فيها مواقف خاصة لها، وهذه بحد ذاتها معضلة يجب إيجاد حل نهائي لها.
في حين أكد مجد- صاحب محل حلاقة للرجال، أنه فقد عدداً من زبائنه نتيجة عدم تمكنهم من ركن سياراتهم في مكان قريب من صالونه، ورفضهم ركنها رتلاً ثانياً لعدم إزعاج جوار الحلاقة، أو التعرض لأي مخالفة مرورية، أو الاضطرار للتوقف عن الحلاقة “مؤقتاً” لنقل سيارته إلى مكان آخر في حال وقوفهم رتلاً ثانياً لكونها تعيق حركة خروج سيارات أخرى.
بدورها السيدة هند، بينت أنها تضطر وبشكل شبه يومي إلى اصطحاب ابنها أو ابنتها أو شقيقتها للبقاء في سيارة، وإعلامها في حال رغبة من تقف خلفه “رتل ثانٍ” في تحريك مركبته والمغادرة.
غير حضاري
أما حالات الاعتراض على تقليعة عرض السيارات على الأرصفة فقد كانت بالجملة، إذ أكد كل من التقت بهم “الثورة” أن هذا المشهد غير حضاري بالمطلق، ولا حتى لائق وهو تشوه بصري بكل ما للكلمة من معنى للمنظر العام، كونه يعيق حركة المارة ليس بالنسبة للأصحاء فقط، وإنما للمرضى أيضاً الذين يتنقلون على كراسي متحركة، أو على عكاز، وكذلك للأطفال، وأيضاً للسيدات اللواتي يضطررن للنزول من الرصيف إلى الشارع وقطع مسافة لا بأس بها ومن ثم الصعود إلى الرصيف مجدداً، الأمر الذي قد يعرضهن لحادث مروري بنتيجة أخطاء الغير.
تحرك جدي
“الثورة” توجهت إلى محافظة دمشق للسؤال عن مبررات استشراء هذه الظاهرة، وسبل معالجتها نهائياً لا الحد منها مؤقتاً، إلا أن كل من توجهنا إليهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم على الرغم من أن الإجابة التي حصلنا عليه من أحد مسؤولي مديرية المهن والتراخيص، الذي طلب أيضاً عدم الكشف عن اسمه، هي إيجابية ومقنعة 100 بالمئة من خلال تأكيده وجود تحرك جدي للمحافظة لتنظيم آلية عمل مكاتب بيع السيارات داخل مدينة دمشق، عملاً بأحكام القرار الساري المفعول والقاضي بمنع عرض السيارات للبيع داخل مدينة دمشق، ونقل جميع المكاتب إلى منطقة الدوير بريف دمشق، والتشدد في مسألة أحقية مزاولة المهنة لأصحاب التراخيص حصراً لا كيفما كان ولمن كان، وصبغ هذه المهنة بصبغة المهن المنظمة لا العشوائية التي لا تخضع لضوابط وأسس وشروط ومحددات.
وأضاف المصدر: إن المحافظة على استعداد تام لتلقي الشكاوى من أي مواطن أو جهة عامة كانت أو خاصة والتحرك وعلى وجه السرعة لمعالجة أصل الشكوى المقدّمة، من خلال إزالة الضرر في حال وجوده، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع المخالفة، مشيراً إلى أن معالجة هذه الشكاوى تتم بالتعاون والتنسيق التام مع شرطة محافظة دمشق وعلى مدار أيام الأسبوع.
يذكر أن منطقة الدوير هي موقع مدينة معارض السيارات التي تقع على أوتوستراد دمشق- حمص، على مساحة تصل إلى 80 هكتاراً تضم مباني إدارية، ومقاسم مخصصة للبيع، ومعارض للسيارات الحديثة، ومكاتب لبيع السيارات المستعملة، ومراكز صيانة، إضافة إلى مضمار لتعليم القيادة ومركز للنافذة الواحدة.