الثورة – محمود ديبو:
ميَّز الباحث الاقتصادي سمير سعيفان بين التنمية العمرانية والتطوير العقاري، مبيناً في حديثه عن الأطر الاستثمارية والتنظيمية لإعادة إعمار سوريا أننا أمام مرحلة جديدة.
وبين أن إعمار دمشق هو جزء من برنامج إعمار سوريا، ولا يمكن أن نخطط لدمشق وحدها لأن المجال الجغرافي والحيز الاقتصادي والموارد هي عملياً واحدة بين دمشق وريفها، وبالتالي دمشق بشكل فعلي تشمل كل بلدات الغوطة الشرقية والغربية ووادي بردى والكسوة ودير علي ودمر وقدسيا وحرستا وصولاً إلى القطيفة، واليوم ثمة اقتراح بإعادة دمج لمحافظتي دمشق وريفها.
وقال الباحث سعيفان في محاضرة شارك بها في ندوة أقامها فرع دمشق لنقابة المهندسين حول متطلبات وتحديات الإعمار: هناك فرق بين التنمية العمرانية والتطوير العمراني فالتنمية العمرانية هي مسؤولية الحكومة وتراعي الانسجام مع الخطط الوطنية والنسيج الاقتصادي وتهتم بالجوانب الاجتماعية والثقافية والبيئية والهوية وتهتم أيضاً بتوازن المصالح بين فئات المجتمع القوية والضعيفة وهي التي تقود التطوير العقاري وتضع السياسات والتشريعات والتعليمات.
أما التطوير العقاري، فالفاعل الرئيسي فيه هم المطورون العقاريون والأفراد المنفذون على الأرض وشركات التطوير العقاري، وهؤلاء يحركهم الربح لأن الربح هو سمة تفكير قطاع الأعمال، وهذا مفهوم وهو لا يعنيه تناسق مشروعه مع الجوانب الأخرى للخطة الوطنية إلا بشكل ثانوي، وفقاً لما قاله سعيفان.
ورأى أن أولى خطوات عملية إعمار دمشق يجب أن تبدأ أولاً من الواقع، فدمشق اليوم مدينة مكتظة من دون مساحات وساحات خضراء، ومن دون خدمات الدولة العصرية، وفيها كم كبير من المشكلات الموروثة من الماضي بين إهمال وقرارات متعمدة وأخطاء في التنمية العمرانية والتنمية الريفية والمخططات الطبوغرافية، ونظام إدارة الأراضي والعقارات والتهام الأراضي الزراعية واستنزاف المياه، وفيها مناطق تم تنظيمها لكن تأخر التنفيذ، ومناطق قديمة بحاجة لإعادة إعمار، إلى جانب الكثير من المناطق السكنية المهدمة والعشوائية والمناطق الصناعية والتجارية والأسواق والمباني الحكومية والمدارس والمشافي والطرق وغيرها.
ومن هنا لا بد من تصور جديد لمعالجة التمركز في العاصمة وهو تحدٍّ صعب، والأهم وقف الممارسات التي تم فيها قضم الأراضي الزراعية والحد من استهلاك المياه.
أي دمشق نريد؟
ويشير الباحث سعيفان إلى أنه لا بد من تحديد أي دمشق نريد عمرانياً، وبالتالي هي فرصة لإصلاح أخطاء الماضي من خلال الابتعاد عن اتخاذ القرارات الجزئية، أو الانطلاق بمشروع واحد هنا أو هناك قبل أن نجيب عن هذا السؤال: (أي دمشق نريد عمرانياً؟).
ومن الناحية الاقتصادية لا بد من العمل على عدم تمركز الصناعات ذات العمالة الكثيفة في دمشق ومحيطها القريب، وتشجيع قيام نشاط اقتصادي أقل استخداماً للمياه واليد العاملة مثل السياحة والخدمات المالية.
ومن الناحية الثقافية هل يمكن أن يكون لدمشق هوية عمرانية خاصة؟ واعتبر أن الخطة العمرانية لسوريا ليست مهمة موظفين بيروقراطيين وإنما يساهم فيها مهندسون واقتصاديون وخبراء بالتخطيط العمراني، مع التركيز على أن يكون لكل منطقة في سوريا سمة خاصة بها مثلاً الجزيرة السورية هي منطقة زراعية.
ولفت إلى أنه يمكن هنا تنشيط الزراعة والصناعات الزراعية، وحلب وإدلب يمكن أن تكون منطقة صناعية بالدرجة الأولى ومن ثم زراعية، والساحل السوري ننشط فيه السياحة والنقل البحري، وحمص وحماة مناطق زراعية.. فدمشق اليوم لم تعد تحتمل مزيداً من السكان، ويجب ألا يكون فيها نشاطات تجذب المزيد منهم.
السياسات العمرانية
ولفت سعيفان إلى وجود معادلة صعبة ما بين تلبية الاحتياجات الآنية العاجلة للسكن والتي تتطلب حلولاً سريعة اقتصادية وبين تطوير عقاري مستقبلي.. وتتأتى صعوبة هذه المعادلة من تعدد أشكال الاحتياجات الواجب تلبيتها ومنها الاحتياجات الملحة للفقراء الذين فقدوا بيوتهم، وللأغنياء الذين يطلبون قصوراً للعيش فيها، واحتياجات الميسورين والطبقة الوسطى.
وهنا أكد على مسألة ألا نجعل التنمية العمرانية تساهم في اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في عملية تلبية الاحتياجات، ولا بد من مراعاة التكوين الطبقي لدى وضع الخطط والسياسات.
إذاً هنا نصل إلى سؤال بحسب الباحث سعيفان، وهو أي سياسات عمرانية نريد، ومن يبني ليقول: إن تلك السياسات التي نحتاجها يجب أن تجمع بين الريعية الاقتصادية وتلبية الوظيفة وجمال العمران واستمرار الهوية المحلية للمدينة، وهذا يتبعه تطوير سياسات إيجابية تجاه المطورين العقاريين السوريين، وتطوير سياسات التمويل لتنمية سوق العمران، والإقراض الفردي، والانتفاع بالمطورين العرب والأتراك مثلاً مع استمرار حماية المطورين المحليين من دون احتكار، وتشجيع عمليات البناء للتأجير وليس للتملك.
الفاعلون في عملية التطوير
وهنا يقول سعيفان: إن الحديث عن الفاعلين في تطوير المناطق العمرانية هو من المواضيع الأكثر تعقيداً وحساسية لكونه يمس بمصالح الفاعلين وهؤلاء مصالحهم ليست واحدة، وهنا وجد أن السلطة هي التي تضع السياسات والقوانين والقرارات، والحكومة تنجز البنى التحتية، ويأتي المطورون العقاريون لينفذوا على الأرض، وهنا يمكن تشجيع القطاع التعاوني السكني رغم ما شابه من فساد في السنوات السابقة.
وبالتالي فإن هذا الأمر يعكس وجود تحديات كبيرة تواجه عملية تطوير سياسة عمرانية فاعلة ومن هذه التحديات هناك ما هو مرتبط بتطوير تلك السياسات، وبتأمين التمويل، وأيضاً التزايد السكاني يشكّل أحد التحديات، إضافة للفساد وأطماع المطورين العقاريين، والعداء للأبحاث والدراسات، وعمليات إزالة الأنقاض من المناطق المهدمة، إضافة إلى التقليد الأعمى للغرب في هذا المجال، وسيطرة رأس المال الأجنبي، وتحدي تطوير صناعة مواد البناء، واستمرارية العمل بالعقليات السابقة على حدّ قول الباحث الاقتصادي.
وبالتالي، يعتبر سعيفان أن متطلبات إعادة البناء كثيرة جداً، ومنها وجود بنية تشريعية شاملة وواضحة (إعادة النظر بالبنية الحالية)، وضرورة الرقابة الشاملة لمكافحة الفساد، وقيام قطاع بنكي نشط يعمل بمعاييرعالمية، وتمويل المطورين لمشروعات إعادة البناء.
ويختم.. إن أحد التحديات الكبيرة للتنمية العمرانية هو خلق مناخ صديق للتنمية العمرانية والحدّ من الفساد تدريجياً، وأن يكون للمجتمع المحلي دوررقابي على أعمال التنمية العمرانية، وقضاء نزيه يقضي بالعدل.
وعليه إن رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا من أهم الخطوات التي تساهم وتدعم عملية التنمية العمرانية، لما لها من دور في تخفيف القيود التي كانت تحكم وتؤخر الإنجاز في مختلف القطاعات ومنها قطاع البناء والإعمار.