الثورة – عبير علي:
في زحمة الحياة العلمية ومساراتها الصارمة، يولد شغفٌ قادرٌ على تغيير مجرى الأشياء، وهذا ما حدث مع الدكتور أنمار تقلا، ابن محافظة طرطوس، الذي لم يكن الفن بالنسبة له مجرد هواية عابرة، بل رحلة اكتشاف عميقة بدأت منذ الطفولة، وتوهّجت لحظة توقّف مؤقت في مسيرته الطبّية.
يستعيد الدكتور أنمار بداياته في حديثه لـ”الثورة” قائلاً: عشقت الفن صغيراً، لكن في الثمانينيات كان الاهتمام العام موجّهاً للدراسة، وكان الفن يُعدّ ترفاً أو هواية ثانوية.
بعد تخرجه في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، وبينما كان ينتظر عاماً لبدء اختصاص طب الأسرة في مستشفى طرطوس الوطني، لمع داخله ذاك الحنين القديم للريشة والألوان.. لحظة فارقة، كما يصفها، كانت كافية لإيقاظ موهبة كادت أن تُنسى، بعد انقطاعه عنها طوال التسعينيات، فانطلق في تجربة فنية عفوية، جرب فيها كل الأساليب والطرق، متكئاً فقط على شغفه وعزلته.
ولأن الفن مرآة الروح، وجد نفسه مشدوداً لرسم المرأة والورود والحيوانات اللطيفة.
ويقول: “المرأة رمز للجمال والرقة والبراءة والنعومة والحب والأمومة والأصالة.. فكانت محور أجمل اللوحات التي عشقتها، واستوحيتها من كبار الفنانين العالميين”.. كالفنان محمود فرشجيان، الذي كان مدخلاً لاكتشاف عالم المنمنمات الساحر، جامعاً بين مفرداته المفضّلة في إطار تعبيري مذهل.
لم يتوقف تقلا عند الألوان الزيّتية، بل راح يكتشف أدوات جديدة، من رمال البحر والرمل الملون، حيث تظهر بارزة نافرة، والتي بدأ بتلوينها يدوياً ليُنشئ بها لوحات منمنمات فريدة.
توسّع شغفه ليشمل إعادة تدوير الزجاج والخشب والبلاستيك والحجر، فحوّلها إلى قطع فنية عملية كالشلالات والكراسي والطاولات.
“في الطب أداوي الناس، وفي الفن أداوي نفسي”، بهذه الجملة يلخّص الدكتور تقلا معادلته الخاصة بين العلم والإبداع، فدراسته العلميّة سهّلت عليه فهم الأبعاد والهندسة، ما أتاح له دقّة مذهلة في تنفيذ أعمال الخط والمنمنمات.
شارك تقلا في معارض فردية وجماعية بعدة مدن، أبرزها معرضه بدمشق سابقاً، مؤمنًا أن المعارض ليست فقط منصات للعرض، بل مساحات للقاء وتبادل الأفكار والانفتاح على تجارب فنية غنية.
رحلة الدكتور أنمار تقلا ليست مجرّد قصة فنان، بل شهادة على أن الشغف الحقيقي لا ينضب بل ينتظر لحظته ليغدق إبداعاً.