الثورة – متابعات:
قدّمت رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، كارلا كينتانا، إحاطة رسمية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، هي الأولى لها منذ توليها المنصب مطلع عام 2025، حيث أكدت أن المؤسسة شرعت فعلياً في بناء هيكلها التنفيذي لمواجهة أحد أكثر الملفات تعقيداً في المشهد السوري المعاصر.
وشددت كينتانا خلال الجلسة التي حضرها وفد رسمي من الجمهورية العربية السورية، على أن إنشاء المؤسسة جاء استجابة مباشرة لمطالب عائلات المفقودين، وخاصة النساء السوريات اللواتي قمن بحملات مدنية متواصلة للمطالبة بكشف مصير أحبّائهن.
وأكدت أن تأسيس المؤسسة بدعم من المجتمع المدني السوري ومجموعة من الدول بقيادة لوكسمبورغ، يمثل تحولاً نوعياً في طريقة مقاربة هذا الملف، بوضع عائلات الضحايا لأول مرة في مركز القرار.
وأشارت إلى أن سوريا تقف اليوم على عتبة “أفق جديد” يتطلب مواجهة شجاعة لملف المفقودين، باعتباره أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية، وبناء سلام مستدام، واستعادة ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها. ولفتت إلى أن تداعيات الاختفاء القسري لا تمس فقط عائلات الضحايا، بل تطال المجتمع السوري بأسره، باعتبارها قضية ترتبط بالعدالة والكرامة وتماسك النسيج الوطني.
واستعرضت كينتانا التقدم الذي أحرزته المؤسسة خلال العام الماضي، مشيرة إلى توظيف كوادر تقنية متخصصة، وإنشاء مركز آمن للبيانات، وتطوير منصة تحليل متقدمة ونظام لتسجيل حالات الاختفاء. كما قامت فرق المؤسسة بتنفيذ بعثات ميدانية، ورسم خرائط للمواقع والأحداث المرتبطة بالمفقودين، إضافة إلى إقامة شراكات عمل مع منظمات سورية ودولية بهدف تبادل المعلومات وتنسيق الجهود.
ورغم هذه الخطوات، أكدت رئيسة المؤسسة أن تدفق المعلومات لا يزال يمثل التحدي الأبرز في مسار العمل، موضحة أن المؤسسة تعمل حالياً على توحيد قواعد البيانات بالتعاون مع جمعيات الضحايا ولجان البحث. ولفتت إلى أهمية العمل الميداني المباشر مع السوريين، موضحة أن نجاح المؤسسة يعتمد على قدرتها في الوصول إلى الحقائق من داخل المجتمع نفسه.
وفي خطوة لتعزيز دور العائلات، كشفت كينتانا عن تطوير استراتيجية دعم شاملة، تتضمن إنشاء نظام إحالة لتقديم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي لعائلات المفقودين داخل سوريا وخارجها. كما أكدت التزام المؤسسة بالبحث عن جميع المفقودين دون تمييز، بمن فيهم الأطفال، والمختفون خلال النزاع، وضحايا اللجوء.
وفي إطار التعاون المحلي، أوضحت المسؤولة الأممية أن المؤسسة أجرت حواراً مباشراً مع رئيس اللجنة الوطنية السورية للمفقودين، الدكتور محمد رضا جلخي، وأن الطرفين اتفقا على آلية تنسيق مشتركة لتعزيز فعالية العمل، مشيرة إلى تقديم طلب رسمي لافتتاح مكتب دائم في دمشق وتوظيف كوادر محلية.
وختمت كينتانا كلمتها بالتأكيد على أن قضية المفقودين في سوريا ليست شأناً محلياً فحسب، بل تمثل قضية إنسانية ذات بعد عالمي، تستدعي تضامناً دولياً حقيقياً، داعية الدول الأعضاء إلى دعم الصندوق المخصص لتمويل المؤسسة، الذي أُطلق في نيسان الماضي، وكانت ألمانيا أول من ساهم فيه، وشددت على أن “الوقت حاسم لإحداث فرق حقيقي”، وأن تقدم العمل في هذا الملف سيمنح الأمل لعائلات المفقودين، ويرسل رسالة إلى العالم بأن العدالة ممكنة حتى في أعقد الظروف.