الثورة- راغب العطيه :
منذ إعلان انتصار الثورة السورية في 8 كانون الأول الماضي، وسقوط نظام بشار الأسد، بدأ يتبلور ما يمكن وصفه بـ استراتيجية جديدة للعلاقات السورية مع الخارج تقوم على موازين دقيقة، أساسها السيادة والاستقلال الوطني، والمصلحة السورية أولًا، مع انفتاح واسع ومحكم على دول العالم، واستثمار هذا الانفتاح الدولي، وفق ضوابط سياسية واضحة المعالم داخلياً.
هذه المحاور، وغيرها، تناولها السيد الرئيس أحمد الشرع في لقائه مع قناة الإخبارية السورية، مبيناً الاتجاهات الرئيسية للسياسة السورية الخارجية في المرحلة الحالية بعد سقوط النظام البائد.
وقد أكد الرئيس الشرع، أن سوريا لا تقبل القسمة ولن تتنازل عن ذرة تراب من أرضها، الأمر الذي يعكس رفضاً قاطعاً لأي مطلب انفصالي أو أي محاولات لاقتطاع أجزاء من البلاد، وهذا الموقف له جذوره القوية في السياسات السورية منذ ما قبل الاستقلال، ولدى الرأي العام الجمعي السوري، ويظهر كخط أحمر في أي تفاوض مع جهات داخلية أو خارجية.
كما أن الرئيس الشرع يضع الاستقلال في اتخاذ القرار والسيادة الوطنية في صدارة أولويات السياسة الخارجية، بمعنى أن العلاقات يجب أن تُبنى على أن سوريا هي التي تختار علاقاتها، وليس العكس، وهذا يعني أن سوريا لا ترغب أن تُخضع مصالحها لمؤثرات خارجية أو أن تكون جزءاً من محاور سياسية مفروضة عليها.
رؤية الرئيس الشرع تُشكّل محاولة للانتقال بسوريا من حالة الصراع إلى مرحلة البناء، (بناء الدولة ومؤسساتها، واقتصادها، وعلاقاتها الخارجية)، وهي تجمع بين وحدة البلاد ورفض الانقسام، والتأكيد على السيادة، والانفتاح على العالم مع مراعاة المبادئ الوطنية.
ويبدو أن نجاحها مرتبط بمدى القدرة على التوازن بين الداخل والخارج، وهذا المسار ليس سهلاً، ولكنه ضروري، فالاستقرار والتحول السياسي الحقيقي والشامل لا يتحقق إلا حين تُبنى العلاقات الدولية على المصالح المشتركة وعلى احترام السيادة والكرامة الوطنية، وهذا يختزله كلام السيد الرئيس: “لا نريد لسوريا أن تعيش على المساعدات أو على القروض المسيسة”.
وتعمل سوريا بحسب رؤية الشرع على أن تكون عامل استقرار وهدوء في المنطقة والعالم، وأن على الأطراف الأخرى أن تسلك هذا النهج، وهذا ما أكده بقوله: “إن سوريا تبحث عن الهدوء التام في العلاقات مع كل دول العالم والمنطقة، وفق سياسة واضحة منذ اللحظات الأولى، وإنها لا تريد أن تكون بحالة من القلق والتوتر مع أحد”، ولذلك فالكرة في ملعب الدول التي تريد إثارة الفتن والقلاقل في سوريا.
من اللافت في حديث الرئيس الشرع، كلامه عن روسيا التي وصفها بالدولة المهمة في العالم، وإشارته للروابط الوثيقة التي تربط روسيا مع سوريا منذ الاستقلال عام 1946، ومصلحة سوريا بحسب الشرع هو أن يكون لسوريا علاقات هادئة مع روسيا، وهذا بطبيعة الحال يعطي دمشق المزيد من الخيارات في تعاملها الدولي، شرط أن تبنى هذه العلاقات على أساس السيادة السورية واستقلال قرارها، وعلى أساس أن تكون المصلحة السورية أولاً”.
ومن ملامح التحولات الفعلية في السياسة السورية الخارجية، العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي بين الرئيس الشرع أن هناك مفاوضات لتوقيع اتفاق أمني مع الجانب الإسرائيلي يستعيد اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 أو إطاراً مشابهاً، وهذا بحد ذاته يظهر أهمية تنظيم الوضع الأمني عند الحدود، ومحاولة لتهدئة التوترات، وإعادة الاستقرار في جنوب البلاد.
وتؤكد رؤية الرئيس الشرع فيما يخص العلاقات مع الخارج، هو الجمع بين المتناقضات، سواء على المستوى الإقليمي، أو على المستوى العالمي، (تركيا-السعودية)، (الولايات المتحدة والغرب، روسيا)، وهذا بحسب الشرع “بسبب قوة الحدث الذي حصل (انتصار الثورة وسقوط النظام المخلوع)، ومحبة الناس لسوريا، ومصالح العالم المرتبطة بسوريا في الوقت نفسه، الأمر الذي مكن الدبلوماسية السورية القوية خلال الأشهر التسعة الماضية من تحقيق نسيج من هذه العلاقات المتناقضة.
وأكثر ما ميز هذه المرحلة هو العلاقات القوية بين دمشق وواشنطن التي تعد قاطرة التحولات السياسية والاقتصادية العالمية تجاه سوريا، وخاصة في موضوع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية التي كانت مفروضة على النظام السابق بسبب سياساته الإجرامية، بحق الشعب السوري.