الثورة – جهاد اصطيف:
لم تكن خيبة الأمل هذه المرة موسمية فقط، بل مركبة ومتكررة، إذ فوجئ مزارعو ريف حلب بتسعيرة غير مجزية للقمح، في موسم أنهكه الجفاف وغلاء مستلزمات الإنتاج، ومع بداية حصاد موسم القمح، تتكشف الأرقام والخسائر، وسط صمت رسمي يضع الفلاح والقطاع الزراعي على حافة الانهيار، وأجبر البعض على التفكير في ترك الأرض ..
خشية الفلاح تحققت
ولعل ما خشي منه المزارع من انخفاض تسعيرة القمح الموسم الحالي، قد حدث فعلا يقول علي الدبوس، مزارع من جزرايا : إن ما جناه بالكاد يغطي نصف التكلفة، مشيرا إلى أنه يمتلك 8 هكتارات مزروعة بالقمح، ولم يتجاوز الهكتار هذا العام 250 كغ في أحسن الأحوال، بينما تجاوزت تكلفة زراعته نحو 10 آلاف دولار.
ووصف الدبوس الوضع بالمأساوي وأقل ما يمكن أن تقدمه الحكومة تأجيل ديون الفلاحين، أو بالأحرى إعفائهم منها، وتيسير القروض وإعفائهم من الفوائد والضرائب، خاصة الريف الجنوبي المتأثر إلى جانب الجفاف من مشكلة عدم تعزيل مجرور نهر قويق، منذ سنوات.30 بالمئة قياسا للسنوات السابقة، من دون أن يخفي ما أسماها ” مؤامرة ” التجار ورعاة الأغنام، خاصة من ناحية استغلال الفلاح خلال الموسم، مطالبا الجهات المعنية بدعم سعر البذار والأسمدة بدون فوائد ومنحهم القروض لمدد طويلة .
تسعيرة ” مخيبة للأمال “
بدوره المزارع محمود الأمين يرى أن التسعيرة الصادرة مخيبة للأمال ولا تتناسب مع أرض الواقع، حين ببغ سعر كيلو البذار نحو 6000 آلاف ليرة وكيلو السماد نحو 9200 ليرة، وبرميل المازوت نحو 5 ملايين ليرة، عدا عن مشكلة الجفاف وعدم الاستفادة من قناة نهر قويق.
بين الأمين أن كل ذلك كان له تأثير مباشر على كمية الإنتاج، ضارباً مثال امتلاكه نحو 10 هكتارات، كانت تنتج نحو 40 طنا في الأحوال العادية، انخفض الموسم الحالي إلى 22 طنا و120 كيلو، ما يشير مؤشر إلى حجم خسائر الفلاحين عموما.
ووجه الأمين مسؤولية هذا الوضع للمعنيين لمعرفتهم بتكلفة الموسم المرهقة للفلاحين.
أشار الأمين كلفة كل هكتار من 10 إلى 15 مليون ليرة، ما يعني خسارة نحو 6 ملايين ليرة مقابل كل هكتار، قياسا للوضع الراهن.
وكشف الأمين في حديثه لصحيفة ” الثورة ” عن وضع المعنيين بالقطاع الزراعي ورئيس اتحاد الفلاحين بصورة الوضع المزري، في وقت مبكر، وأملوا بتسعيرة مناسبة، على اعتبار أن الاستيراد من أي دولة يكلف أكثر من التسعيرة الموضوعة.
وتساءل الأمين: لم لا تمنح الحكومة الفرق للفلاح؟ وليصل الأمر لدى المزارع محمود إلى حد القول إنه ” كره الأرض ” وزراعتها نتيجة الخسائر المتلاحقة، في الوقت الذي لم يمنعه من القول إننا بلد زراعي بالمقام الأول، فما المانع من أن تهتم بنا الحكومة وتدعم منتجاتنا الزراعية، خاصة الاستراتيحية منها، متمنيا أن يكون أجير، لا صاحب أرض، كونه دفع نحو 100 مليون ليرة كلفة، وقد لا يصله منها إلا نصفها.
وطالب الأمين في ختام حديثه بمراعاة الفلاح من خلال شطب ديونه أو جدولتها كما يحدث في مختلف أنحاء العالم وقت الجفاف، ومنح قروض ميسرة للفلاحين، كقروض الطاقة وغيرها، والأهم زيادة التسعيرة الحالية إلى عتبة 6000 ليرة لكل كيلو قمح على الأقل .
غياب للدعم الزراعي
بالطبع، تأكيد عدد من الفلاحين أن المشكلة لا تقتصر على التسعيرة فقط، بل تتعلق أيضا بانعدام الدعم المقدم من الجهات المعنية للمزارعين، واعتمادهم بشكل كامل على إمكاناتهم الخاصة في شراء البذار والسماد وإصلاح قنوات الري وتأمين مستلزمات الزراعة المختلفة، واضطرارهم لشراء مستلزماتهم من التجار بأسعار مرتفعة، دون أي تدخل أو دعم حكومي، كل ذلك يزيد من أعبائهم المالية، لذا أجمع الغالبة منهم على أنه في ظل هذه الظروف، فإن السعر العادل يجب ألا يقل عن 6000 ألاف ليرة للكيلو، حتى يتمكن الفلاح من تحقيق هامش ربح يؤمن استمرارية عمله الزراعي .
التوجه إلى زراعات أخرى
ولعل الخشية الآن من تراجع زراعة محصول القمح بسبب تعرض عدد كبير من المزارعين لخسائر فادحة من جراء تسعيرة القمح غير المدروسة جيدا، حسب تعبير الفلاحين، إذ يمكن أن يتوجهوا إلى زراعة الحبوب العطرية ” الكمون، الكزبرة، اليانسون، حبة البركة والبقوليات والفول والحمص والعدس، بعدما وجدوا تحسنا في الأسعار، وسط تراجع أسعار محصول القمح، فشكاية العديد منهم من عدم تغطية تسعيرة القمح لكلفة الزراعة التي تتضمن مراحل متعددة بدءاً من مرحلة البذار وصولاً إلى مرحلة الحصاد، يضطر خلالها المزارعون إلى تخديم الأرض بالسماد والمبيدات وغيرها، كلها سرعان ما تنهار المرابح أمامها في حال كان المزارع يعمل في أرض مستأجرة، حيث يضطر إلى دفع كلفة مالية إضافية إلى جانب كلفة الزراعة .
مستقبل الزراعة مهدد
وبينما لا تزال أصوات الفلاحين تتعالى مطالبة بعدالة التسعير ودعم ملموس للقطاع الزراعي، يلوح في الأفق خطر حقيقي على الأمن الغذائي المحلي، فيما لو استمرت الحكومة في تجاهل ما وصفوه ” بموسم الخسارات المتراكمة “، إن لم يكن القمح سلعة استراتيجية تستحق الدعم، فماذا تبقى لتدعمه الدولة ؟.