أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
في فجر الثالث عشر من حزيران/يونيو 2025، وجّهت إسرائيل ضربة غير مسبوقة للعمق الإيراني، أسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، وعلى رأسهم اللواء حسين سلامي، اللواء محمد باقري، واللواء غلام علي رشيد، وهي أسماء ارتبطت بشكل مباشر بالدم السوري، وبتاريخ طويل من التدخل الإيراني العسكري والأمني في سوريا منذ عام 2011.
مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا في آذار/مارس 2011، بدأت إيران بإرسال مستشارين عسكريين وأمنيين لدعم نظام بشار الأسد في قمع الحراك الشعبي، وسرعان ما تحوّل هذا التدخل إلى تورط مباشر عبر إرسال ميليشيات عابرة للحدود كـ”فاطميون” و”زينبيون”، و”حزب الله” اللبناني، بقيادة نخبة من كبار ضباط الحرس الثوري الذين أشرفوا على حملات القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي، وخاصة في دمشق، حمص، دير الزور، وحلب.
بقي هذا النفوذ الإيراني هو الأوسع في سوريا طوال سنوات الحرب، حتى بات الحرس الثوري يتحكم بمفاصل الأجهزة العسكرية والأمنية، إلا أن سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024 أخرج إيران من المعادلة السورية عسكرياً، وفجّر فراغاً استراتيجياً لايزال يتفاعل حتى اللحظة، ومع تصاعد التوتر الإقليمي، كانت الضربة الإسرائيلية في حزيران الجاري تتويجاً لمرحلة خسارة إيران المدوية في سوريا والمنطقة.
حسين سلامي: مهندس المواجهة في سوريا
اللواء حسين سلامي، الذي تولى قيادة الحرس الثوري بين عامي 2019 و2025، لعب دوراً مركزياً في التغلغل الإيراني في الملف السوري. كان من أوائل الضباط الذين نظموا عمليات الدعم العسكري لنظام الأسد، وتحديداً في إنشاء خطوط الإمداد وعمليات نقل المقاتلين والسلاح والذخيرة من طهران إلى دمشق وبيروت، عبر ما عُرف بـ”الجسر الجوي الإيراني”.
كان سلامي أحد العقول التي خططت لدمج ميليشيات متعددة الجنسيات تحت قيادة موحدة بإشراف “فيلق القدس”، وتنفيذ استراتيجيات عسكرية معقدة أبرزها في معركة حلب 2016، كما أشرف على إنشاء قواعد ومراكز مراقبة للحرس الثوري في الجنوب السوري، ضمن ما سمي بـ”محور الدفاع المتقدم”، وباغتياله، تفقد طهران أهم رجالاتها الذين مزجوا العمل الأمني بالاستراتيجيات العسكرية الإقليمية، خاصة في مسارح المواجهة في سوريا ولبنان والعراق.
غلام علي رشيد: غرفة العمليات الإيرانية في سوريا
بصفته قائد مقر “خاتم الأنبياء”، كان اللواء غلام علي رشيد حلقة الوصل بين القيادة العليا في طهران وبين فيلق القدس الميداني في سوريا، وتولى تخطيط العمليات الكبرى على الأرض السورية، من معارك الريف الدمشقي إلى شرق الفرات، وكان أحد واضعي مفهوم “الدفاع من خارج الحدود”، الذي نصّ على أن أمن إيران يبدأ من سوريا والعراق.
ساهم رشيد في تنسيق آلاف المقاتلين من “حزب الله” و”فاطميون” و”زينبيون” في عمليات عسكرية طاحنة، وساهم في اختراق أجهزة الجيش والأمن السوريين لصالح طهران، كما دافع عن التورط الإيراني في سوريا باعتباره “حرب بقاء” لإيران، واعتبر أن أي تساهل في الملف السوري يعني تهديداً مباشراً للعاصمة الإيرانية.
محمد باقري: مهندس النفوذ العسكري الإيراني في سوريا
اللواء محمد حسين باقري، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة منذ 2016، كان العقل الاستراتيجي خلف تثبيت قواعد إيران في سوريا، أشرف على إعادة تنظيم الدفاعات الجوية السورية، وأدار عمليات بناء مستودعات صواريخ ومراكز للطائرات المسيّرة قرب مطاري التيفور والضمير.
عمل باقري على دمج ميليشيات الأسد مع وحدات الحرس الثوري، ونسّق دور الميليشيات غير السورية في معارك دير الزور والبادية السورية، ويُعد من أوائل المسؤولين الذين أداروا التعاون العسكري المباشر بين إيران وسوريا عبر اتفاقات رسمية، وقّع بعضها بنفسه في دمشق، وفرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا عقوبات بسبب تورطه في دعم الإرهاب الإقليمي، وفي تصدير السلاح والمسيّرات لروسيا خلال غزو أوكرانيا.
أمير حاتمي: خلف القتلى… وصديق الأسد
بعد مقتل هؤلاء القادة، عيّن المرشد الأعلى اللواء أمير حاتمي قائداً جديداً للجيش الإيراني، وهو أول ضابط من الجيش النظامي يتولى هذه الرتبة منذ الثورة، شغل سابقاً منصب وزير الدفاع، وكان من أبرز الداعمين للوجود الإيراني في سوريا من موقعه السياسي.
وقع حاتمي اتفاقاً عسكرياً مع حكومة الأسد عام 2018 نصّ على “إعادة بناء الصناعات الدفاعية السورية”، وقدم دعماً مباشراً
لمنشآت تصنيع الأسلحة المحلية في سوريا، كما أشرف على نقل تقنيات الطائرات المسيّرة من إيران إلى قواعدها في جنوب سوريا، ضمن استراتيجية استهداف العمق الإسرائيلي.
ضربات 13 حزيران لم تكن مجرد تصفية عسكرية، بل كانت استكمالاً لمسار خسارة إيران في سوريا، بعدما فقدت أبرز أدواتها العسكرية، وأهم رجالها الذين قادوا النفوذ الإيراني لعقد كامل، وبينما يستعد النظام الجديد في دمشق لبناء علاقات خارجية مختلفة، تجد طهران نفسها خارج المعادلة، تحمل أثقال الماضي، وخسائر الحاضر، دون قدرة واضحة على العودة.