الثورة ـ إخلاص علي:
تتوالى خطوات رفع العقوبات عن سوريا بالصدور في كل القطاعات، إلا أن القطاع المالي يبقى أهمها لما له من تأثير كبير على حياة الناس في ظل وجود عدد كبير من السوريين في المغترب، وفي ظل الاستعداد لاستقبال استثمارات خارجية وسياح.
آخر قرارات رفع الحظر كانت من قبل منصة Binance التي تعتبر من أكبر المنصات العالمية المتخصصة في تداول الأصول الرقمية والعملات المشفرة.
وحول تأثير رفع الحظر عن منصة “بينانس” في سوريا على القطاع المالي والاستثمار أوضح الخبير المصرفي الدكتور محمد كوسا في تصريح لـ”الثورة” أن هذا الأمر يُتيح للمقيمين في سوريا إمكانية الوصول إلى سوق العملات المشفرة بحيث يمكن للمواطنين تداول مجموعة واسعة من العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثيريوم، معتبراً أن هذه الخطوة مهمة جداً فقد توفر وسيلة للحفاظ على قيمة الأصول في ظل التضخم وانهيار قيمة العملة المحلية، وبالتالي تخفف الضغط على الذهب لكن لا أرجح الأمر باعتبار الثقافة السائدة في حفظ الأموال لدى مجتمعنا تعتمد الذهب وسيلة آمنة.
وحول أهمية القرار بما يخص التحويلات المالية قال كوسا: من الممكن أن يُسهل رفع الحظر من عمليات التحويلات المالية من وإلى سوريا خاصة للمغتربين فمن خلال العملات المشفرة قد يصبح إرسال واستقبال الأموال أسرع وأقل تكلفة من الطرق التقليدية، كما قد يساعد في تجاوز بعض القيود المصرفية المفروضة.
تحديات تواجه التطبيق
ورداً على السؤال حول التحديات التي يمكن أن تواجهه أشار كوسا إلى جملة من التحديات الواقعية قائلاً: رغم الإمكانات يواجه تطبيق هذا القرار تحديات كبيرة في الواقع السوري، أبرزها المبالغ المتوفرة لدى الناس من العملة الصعبة (مثل الدولار الأميركي) اللازمة لشراء العملات المشفرة، إذ لا يمكن الشراء مباشرة بالليرة السورية وهذا يعني أن الاستفادة المباشرة ستكون غالباً لمن لديهم إمكانية الوصول إلى العملات الأجنبية.
ولا ننسى أهم عامل وهو مخاطر التقلبات الاقتصادية ، حيث تتسم أسواق العملات المشفرة بتقلبات عالية، مما يُشكل مخاطر كبيرة على المدخرات في بيئة اقتصادية هشة ، كما أن ضعف البنية التحتية (كالكهرباء والانترنت) يُعيق الاستخدام السلس والموثوق لهذه المنصات، على حد قول الدكتور كوسا.
وتابع: أما فيما يتعلق بجانب الشمول المالي فهو يعتبر شمول محدود وذلك نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها غالبية السوريين، فإن القدرة على الاستفادة من هذه الفرص ستظل محدودة جداً على شريحة صغيرة من المجتمع فهذا القرار لا يُعد حلًا شاملاً للأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها البلاد والتي تتطلب حلولاً هيكلية أوسع.
وتابع الخبير حديثه بالقول: بشكل عام يُمكن أن يُقدم رفع الحظر من قبل “بينانس” بعض الفرص المحدودة لبعض الأفراد أو الأنشطة التجارية في سوريا، إلا أنه لا يُشكل تحولًا جذرياً في المشهد الاقتصادي العام نظراً للتحديات الهيكلية القائمة.
لا تأثير مباشر على الاستثمار
وفيما يخص انعكاس القرار على الاستثمار قال كوسا: لن يكون لرفع الحظر من منصة “بينانس” تأثير مباشر وكبير على الاستثمار الأجنبي المباشر في سوريا، لمجموعة من الأسباب الرئيسية تتعلق بطبيعة الاستثمار في العملات المشفرة مقابل الاستثمار التقليدي.
ويعد تداول العملات المشفرة هو شكل من أشكال المضاربة أوما يسمى الاستثمار المضاربي قصير الأجل غالباً، أو وسيلة للحفاظ على القيمة لبعض الأفراد. وهو لا يعكس بالضرورة استثماراً في القطاعات الإنتاجية الحقيقية للاقتصاد (مثل الصناعة، الزراعة، البنية التحتية، الخدمات).
بينما الاستثمار الذي تحتاجه سوريا هو الاستثمار المباشر في المشاريع الضخمة التي تخلق فرص عمل، وتُحسّن البنية التحتية، وتزيد الإنتاجية، وتجذب العملة الصعبة عبر التصدير.
وحول البيئة المناسبة للتداول بالعملات المشفرة، أوضح كوسا أن هذا النوع من الاستثمار يتطلب بيئة مستقرة و أطراً قانونية واضحة، ونظاماً مصرفياً عاملاً وأماناً للمستثمرين، مشيراً أن مناخ الاستثمار في سوريا حالياً يعاني من تحديات جوهرية، أهمها غياب الاستقرار السياسي والأمني الفعلي في جميع أنحاء البلاد والذي يُعد الرادع الأول لأي مستثمر جاد محلياً أو أجنبياً .
وتابع كوسا: على الرغم من أن “بينانس” قد رفعت حظرها (بسبب رفع بعض العقوبات الأميركية)، إلا أن هناك عقوبات دولية أخرى واسعة النطاق مفروضة على سوريا من قبل دول ومنظمات متعددة مضيفاً أن هذه العقوبات تُعيق بشكل كبير التعاملات المصرفية الدولية، وتحد من قدرة الشركات على استيراد المواد الخام أو تصدير المنتجات، وتخلق مخاطر قانونية وسمعة للمستثمرين.
وأضاف: هناك أمر في بالغ الأهمية، وأن العملات المشفرة لا يمكنها أن تحل محل النظام المصرفي التقليدي الذي يُعد أساساً لأي استثمار واسع النطاق، المستثمرون الكبار يحتاجون إلى ضمانات قانونية، وقدرة على التحويلات البنكية الكبيرة، والوصول إلى أسواق رأس المال العالمية، وهو ما لا توفره العملات المشفرة حالياً على نطاق مؤسسي أي أن الأطر التنظيمية والقانونية للعملات المشفرة لم يتم ارسائها بعد في سوريا.
ويمكن الإشارة إلى أن العملات المشفرة قد تستخدم في بعض الحالات المحدودة لتسهيل “الاستثمارات الصغيرة” أو تحويل الأموال لشركات صغيرة تعمل في ظروف صعبة، لكن هذا لا يُشكل استثماراً بالمعنى الاقتصادي الواسع الذي يُحدث فرقاً في الناتج المحلي الإجمالي أو يخلق آلاف فرص العمل.
يخدم بعض الأفراد
إن قرار “بينانس” يمكن أن يفيد بعض الأفراد في الحفاظ على قيمة مدخراتهم أو تسهيل التحويلات الشخصية، لكنه لا يُشكل أثراً ملحوظاً على القطاع المالي والمصرفي أو يكون محفزاً للاستثمار الأجنبي المباشر الحقيقي أو الكبير في سوريا فالأسباب الكامنة وراء ضعف الاستثمار في سوريا أعمق بكثير وتتجاوز مسألة الوصول إلى منصة تداول عملات مشفرة تتطلب معالجة هذه الأسباب وتغييرات هيكلية واسعة في البيئة السياسية والاقتصادية والقانونية.