هني الحمدان
ما الذي يدفع مستثمراً صناعياً محلياً أو أجنبياً لاختيار المدن الصناعية موقعاً لمشروعه؟.
هذا السؤال كان يُقابل سابقاً بإجابات تتعلق بغياب الحوافز النوعية، لكن اليوم، مع قرار وزارة الاقتصاد والصناعة بتقديم حزمة من التسهيلات والمزايا المشجعة أمام المستثمرين في المدن الصناعية، أصبح الجواب مختلفاً.
هذا الإجراء لا يُقرأ فقط من زاوية ضيقة، على اعتباره أداة استراتيجية لتحفيز الاستثمار الصناعي في المدن الصناعية التي لم تنل نصيباً كافياً من التنمية، ففي القطاعات الصناعية، تكلفة الكهرباء عنصر رئيسي ضمن المعادلة التشغيلية، والنظر فيها يعني تحسيناً مباشراً لمؤشرات الربحية، وزيادة قدرة المنتجات على المنافسة سعرياً في السوقين المحلي والخارجي، إضافة لجملة مشجعة كالتسهيلات المالية والإدارية، والإعفاءات الضريبية والرسوم الجمركية.. وهذا لا يقتصر على المشاريع الجديدة، بل يشمل أيضاً استثمارات قائمة توسّع نشاطها ضمن المدن الصناعية القائمة.
الإعفاءات ترفع من الجاذبية الاستثمارية في المدن وفي الأجواء الاستثمارية، خصوصاً عندما ينظر أيضاً بمسألة أسعار الأراضي الصناعية وإذابة كل العقد والتحديات التي كانت موجودة، وهذه الحزمة تقلل من الكلف الرأسمالية والتشغيلية معاً، وتخلق بيئة منخفضة المخاطر للمستثمر الصناعي في المرحلة التأسيسية، وهي عادة المرحلة الأكثر حساسية في دورة حياة المشروع.
لكن هل يكفي الحافز وحده لتحفيز الاستثمار المستدام؟ هنا يُطرح السؤال الجوهري: هل هناك منظومة متكاملة تدعم هذه المشاريع بعد الإعفاء؟.
التحديات التي يواجهها الصناعيّون معروفة ومستمرة، منها تأخر سداد المستحقات، وضعف أدوات دعم التصدير، والحاجة لتفعيل دور السفارات في الترويج التجاري، وهذه قضايا يجب أن تُعالج بالتوازي لضمان أن القرار لا يبقى محصوراً في مستوى التكلفة فقط، بل يتوسع نحو دعم القدرة التنافسية الكاملة للقطاع الصناعي.
ما يميز هذا القرار عن غيره هو كونه حافزاً مباشراً قابلاً للقياس والمساءلة، فالمستثمر الذي يدخل السوق في ظل إعفاء الكهرباء يستطيع تقييم الأثر المالي خلال ثلاث سنوات بوضوح، وهذه الفترة تمنحه فرصة لتثبيت العمليات، وبناء سلسلة التوريد، واختبار قدرته التصديرية دون ضغط مالي ناتج عن الطاقة.
المدن الصناعية تقف اليوم أمام فرصة نوعية لتغيير موقعها الاقتصادي، فنجاح هذه الخطوة لا يعتمد فقط على القرار نفسه، بل على حجم الاستجابة من المستثمرين، وسرعة الجهات الحكومية في تنفيذ البنية التحتية الداعمة التي تحتاجها أيضاً الأيدي الاستثمارية، والربط اللوجستي الفعّال مع الأسواق ومراكز التصدير.
باختصار.. القرار يحمل وزناً اقتصادياً حقيقياً لأنه يستهدف كُلفة مؤثرة، ويُطبّق في بيئة بحاجة إلى استثمارات نوعية.
الآن السؤال لم يعد لماذا؟ بل: من سيبادر أولاً لاقتناص هذه الفرصة الاستثمارية الغنية؟.
يؤكد القرار على تقديم تسهيلات للمستثمرين بالمدن الصناعية، تتمثل بالتمتع بالإعفاءات والحوافز الضريبية، والتسهيلات الجمركية المقدمة وفقاً لقانون الاستثمار النافذ، وضمان عدم تغير القوانين المؤثرة على المشروع خلال مدة سريان العقد، ورقمنة العمل الإداري، مع الإشارة إلى أنه في حال حدوث أي نزاع بين المستثمر والجهات الحكومية أو المحلية تتم تسوية النزاع من خلال التحكيم بين الطرفين.
ويضمن القرار حقوق المستثمر في استخدام الأرض المخصّصة، ضمن شروط العقد والحصول على تراخيص البناء والتشغيل، وضمان عدم نزع اليد أو غيره، وتوفير بنية تحتية متكاملة ومتطورة، تؤمن كل متطلبات الاستثمارات الصناعية.
خطوة استثمارية مهمة تفتح الأبواب أمام كل المستثمرين لطرق بيئة خصبة جداً، أصبحت خالية من أي عقد أو حلقات فساد وروتين.