الثورة – إيمان زرزور:
في ظل التحديات الاقتصادية الكبرى التي خلّفتها الحرب، تمثل “المشاريع الصغيرة والمتوسطة” حجر الأساس في إعادة بناء الاقتصاد السوري، فمع تدمير واسع للبنية التحتية، وخسائر بشرية هائلة نتيجة التهجير والنزوح، بات من الضروري التوجه نحو حلول اقتصادية مرنة ومستدامة تُعيد تنشيط السوق المحلي من القاعدة، وتمنح الأفراد أدوات جديدة للعيش والإنتاج.
من بين هذه الحلول، يبرز دور “المشاريع الصغيرة، سواء المحلية منها أو تلك التي بدأ المغتربون بإعادة نقلها إلى الداخل”، والتي تشكل حجر الزاوية في إعادة تنشيط الحركة الاقتصادية في سوريا، وتفتح آفاق العودة للمغتربين واليد العاملة وأصحاب الحرف والخبرات، وتعطي فرصة لتوسيع سوق العمل لدى كثير من العاطلين عن العمل أو العائدين إلى سوريا من دول اللجوء والمخيمات.
تعتبر المشاريع الصغيرة محركاً رئيسياً “لتوليد فرص العمل”، خاصة في المناطق التي عانت من الحرب والبطالة، حيث تُوفّر دخلاً مستقلاً وتحدّ من النزوح والهجرة، كما تعزز هذه المشاريع من “الاعتماد على الموارد المحلية”، ما يقلل الحاجة إلى الاستيراد، ويُسهم في دعم الإنتاج الوطني.
ولا يقل دورها الاجتماعي أهمية، إذ تُسهم في تعزيز الاستقرار المجتمعي، من خلال خلق مساحات اقتصادية مرنة وآمنة، تمنح الأفراد شعوراً بالتمكين والانتماء، كما أن مرونتها الإدارية، وقدرتها على التكيّف مع التحولات السريعة، تجعلها أكثر قدرة على الصمود مقارنة بالمشاريع الضخمة المعقدة.
خلال الأشهر الأخيرة عقب سقوط نظام بشار الأسد، شهدت سوريا “نمواً لافتاً في المشاريع الصغيرة”، ورغم التحديات المتعلقة بانقطاع الكهرباء، وصعوبة التمويل، وغلاء المواد الأولية، أظهر أصحاب هذه المشاريع إصراراً على الاستمرار، والمساهمة في إعادة البناء، بدل الركون والانتظار في دول اللجوء.
في تطوّر مهم، بدأ عدد متزايد من السوريين في الخارج بنقل مشاريعهم أو استثماراتهم إلى الداخل السوري، إما بشكل مباشر أو عبر شركاء محليين، وتمثل هذه العودة الاستثمارية إضافة نوعية للاقتصاد السوري من خلال “ضخ رؤوس أموال جديدة بالعملات الأجنبية، ما يدعم الدورة النقدية المحلية.
كما يساهم ذلك في نقل الخبرات والتقنيات الحديثة التي اكتسبها السوريون في الخارج إلى السوق المحلية، وتعزيز ثقافة الجودة والإنتاجية، نظراً لاعتماد هؤلاء على معايير احترافية عالمية، وفتح قنوات للتصدير والتجارة الإلكترونية، ما يُعيد ربط سوريا تدريجياً بالأسواق الدولية.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال المشاريع الصغيرة تواجه تحديات كبيرة، من أبرزها، ضعف البنية التحتية، من كهرباء وإنترنت وطرق، وغياب التمويل الحكومي أو قروض صغيرة بفوائد ميسرة، علاوة على تعقيدات الإجراءات الإدارية في تسجيل وترخيص المشاريع، وتقلبات الأسعار ونقص المواد الأولية، ما يزيد من تكلفة الإنتاج وعدم استقرار السوق.
ولتمكين هذه المشاريع من لعب دور أكبر في التعافي الاقتصادي، من الضروري “تقديم حوافز ضريبية وتشريعية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم مبادرات نقل الاستثمار من الخارج من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية والضريبية، وتوفير تدريب مهني وإداري للشباب في مجالات الإدارة والتسويق والإنتاج، وربط المشاريع الصغيرة بأسواق إلكترونية محلية وعالمية لتوسيع فرص البيع والتصدير، وتشجيع النساء على تأسيس مشاريع صغيرة، خصوصاً في المناطق الريفية والفقيرة.
ومن المؤكد أن المشاريع الصغيرة أياً كانت تشكل أداة استراتيجية لإنعاش الاقتصاد السوري من جذوره، ونقل هذه المشاريع من الخارج إلى الداخل يُعد خطوة ذكية، تُعيد استثمار خبرات المغتربين في بناء وطنهم، وتُعزز من قدرة المجتمع على تجاوز آثار الحرب، ومع وجود إرادة سياسية واضحة، ودعم حكومي ومجتمعي فعّال، يمكن لهذه المشاريع أن تتحول إلى ركيزة حقيقية للتنمية والاستقرار في سوريا الجديدة.