الثورة – لينا شلهوب:
في تمام الساعة السادسة صباحاً، يغادر المعلم وائل منزله محمّلاً بعبوة ماء بارد ووجبة خفيفة، متوجهاً إلى مدرسة لا يعرفها، تقع على أطراف مدينة ريف دمشق، مهمته مراقبة الامتحانات الرسمية، لكن ما ينتظره هناك ليس مجرد جلوس خلف طاولة ومراقبة الطلاب، بل يوم شاق في قاعة خانقة بلا تهوية، بلا ماء، وبأجر زهيد قد لا يصله إلا بعد أشهر.
هذه ليست قصة فردية، بل واقع يعيشه كثيرون من المراقبين في مختلف المحافظات، إذ تحوّلت مهمة المراقبة من واجب وطني إلى معركة خلال فترة تقديم الامتحانات يتخللها التعب، ونوع من الإهمال.
ومع انطلاق الامتحانات، لا يقتصر الضغط والتوتر على الطلاب فقط، بل يمتد ليشمل المراقبين الذين يواجهون تحديات جمّة في أداء مهمتهم التي يُفترض أن تكون داعمة للعملية التعليمية وضامنة لنزاهة الامتحانات، إلا أن الظروف الصعبة، سواء المعيشية أم المهنية، جعلت من هذه المهمة عبئاً إضافياً على الكوادر التعليمية في ظل بيئة امتحانية مرهقة.
حرارة خانقة
ومع دخول فصل الصيف ذروته، يتصاعد لهيب القاعات الامتحانية التي تفتقر إلى أبسط وسائل الراحة، مراوح معطّلة، نوافذ مغلقة، وانقطاع دائم للكهرباء، في ظل غياب الماء البارد أو حتى زجاجة مياه صغيرة توفَّر للمراقبين.
تقول المعلمة “هبة. س” من ريف دمشق: جلسنا أكثر من 3 ساعات داخل قاعة، لا تهوية، لا كهرباء، ولا ماء، شعرت بأنني على وشك الإغماء، ولم يكن هناك حتى كرسي مريح أجلس عليه.
المعلم أمجد يقول: مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تتضاعف معاناة المراقبين داخل القاعات الامتحانية التي غالباً ما تكون غير مجهّزة بأبسط الوسائل الضرورية، فيما تضيف المعلمة (هبة. س) من ريف دمشق: نجلس ساعات داخل قاعات خانقة، لا توجد فيها مراوح ولا أي تهوية، وفي بعض المدارس، النوافذ مكسورة أو مغلقة بسبب الحماية الحديدية، فيتحول المكان إلى فرن حقيقي، إضافة إلى أن المياه غير متوافرة أحياناً، ما يجعل من يوم المراقبة مهمة شاقة على الصعيد الجسدي والنفسي معاً.
تكرارهذه الظروف يدفع الكثير من المعلمين للتساؤل: هل المطلوب منا تأدية المهمة أم دفع الثمن؟
نقص في العدد
البيئة الصعبة تترافق مع نقص واضح في أعداد المراقبين في بعض المراكز، ويُطلب من المعلم الواحد مراقبة قاعتين في آنٍ واحد، ما يفتح الباب واسعاً أمام محاولات الغش، ويُنهك الكوادر الموجودة.
يقول الأستاذ (ع. المصري): جاء 4 من أصل 7 مراقبين، فاضطررنا لتغطية النقص وتدوير أنفسنا بين القاعات، وسط فوضى في التنظيم وتوتر من الطلاب، والسبب اعتذارات بالجملة عن المراقبة، نتيجة تدني التعويضات وعدم وجود وسائل نقل أو ضمانات مادية.
وسائل النقل والتعويضات
بينما يستمر الحديث الرسمي عن أهمية العملية الامتحانية، تُترك تفاصيل أساسية من دون معالجة: وسيلة النقل، الأمان، تعويض التكاليف.
المعلم “م. العلي” يوضح أنه يقطع أكثر من 40 كم يوم الامتحان للوصول إلى مركزه في ريف دمشق، على نفقته الخاصة.. أما عن التعويض يقول: نحصل على مبلغ لا يغطي حتى أجرة يوم واحد، وبعد أشهر، هذا إن حصلنا عليه، يضيف بحسرة.
وشاركته الرأي مجموعة من المراقبات من مدارس: عباس العقاد، حسن شعيرية، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت الأنصاري للبنين، في كفرسوسة، أكدن أنهن في معاناة جراء عدم توافر الأجواء المناسبة نتيجة البيئة غير المريحة، فالقاعات من دون مراوح، وتهوية، والأكثر ألماً ومعاناة آلية التنقل فهنّ يأتين من أماكن بعيدة، وهذا يحتاج إلى تكاليف مادية، والتعويض الذي يتم صرفه لا يفي بالغرض ولا يكفي.
من الميدان
يطالب الكثير من المراقبين بإعادة تقييم النظام ككل.. من خلال تأمين مراكز مريحة، دعم لوجستي حقيقي، عدالة في التوزيع، تعويض فوري ومجزٍ، وتقدير لدورهم الذي لا يقل أهمية عن أي حلقة في منظومة التعليم، ومجموعة منهم تقول: نحن لسنا موظفين نؤدي مهمة روتينية، بل حرّاس لنزاهة التعليم، تقول المعلمة (نورا. ص): من يحمينا نحن؟ ومن يراقب من يُهملنا؟.
في ظل هذا الواقع، تبقى المراقبة في الامتحانات أشبه بخدمة وطنية لا تليق بها الظروف الحالية، وبين حرارة القاعات، وشحّ الإمكانات، وضغوط العلاقات، يقف المعلم كجندي مجهول، يحاول أن يؤدي الأمانة في معركة غير متكافئة، فهل آن الأوان لأن يُنصف؟.