فادية مجد :
رغم الخسارة الكبيرة والمؤلمة التي حصلت جراء حرائق الغابات في ريف اللاذقية ، تلك الحرائق التي اجتاحت هذه الروح الخضراء ، وأحرقت معها جزءاً من ذاكرة الأرض ..
ومع كل شعلة نارٍ تلتهم جذعاً في غاباتها ، تنبع في نفوسنا رغبة صادقة في التعويض ، وهذا لايكون إلا من خلال حملة تشجير ، تشارك فيها الجهات المعنية والمجتمع الأهلي ، لإعادة إحياء ما فُقد ، لتصبح تلك الحملات مسؤولية تتجاوز حدود المحافظة، ولتصبح قضية وطنية …
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف نعيد تحريج الأراضي المحروقة في تلك الغابات؟
لتسليط الضوء على ذلك تواصلنا مع الخبير والمهندس الزراعي نظير عنجاري والذي أفاد بالقول : إن إعادة تحريج المواقع المحروقة هو ملزم بالقانون ، وعليه يتوجب أن تكون الأولوية بالتحريج للمواقع المحروقة حتى لو لم تكن هناك خطة للتحريج، أي أن تحريج المواقع المحروقة ، ينبغي أن تضاف مساحتها إلى خطة العمل.
وأضاف عنجاري : ونتيجة حرائق الغابات في ريف اللاذقية ، على الجهات المعنية إيقاف أي خطة تحريج ، والتفرغ الكامل ، لتحريج هذه المساحات الهائلة التي تعرضت للحرائق ، موضحٱ أن عملية التحريج يجب أن يسبقها استصلاح الأراضي بواسطة بلدوزرات ضخمة،
كل بلدوزر مجهز بثلاث سكك للفلاحة، يتم بها نقب التربة على عمق متر ، مؤكدين أن الغابة التي يتم استصلاحها بهذا الأسلوب ، ثم تحريجها ، تكون نسبة نجاح الغراس الحراجية فيها بنسبة 99 بالمئة ، كما أن نمو الغراس جيد ، وحيويتها ممتازة ، وغالباً لاتحتاج الغراس الى السقاية في السنين الأولى كما هو متبع ، والسبب في ذلك أن الاستصلاح يفكك التربة ، ويسهل نمو الجذور ، كما أن نقب التربة على عمق متر ، وزراعة الغراس على هذا العمق ، يجعل الغراس تأخذ حاجتها من الرطوبة ، وبالتالي تعود الغابة إلى أفضل ما كانت عليه خلال 15 سنة.
ورأى عنجاري أنه في حالة تحريج المواقع المحروقة بدون استصلاح ، هو مضيعة للوقت، وخسارة للخزينة، لأن التربة تكون متراصة ومليئة بالصخور وجذور الأشجار المتشابكة، وهذا بدوره يعرقل نمو الغراس المزروعة، ولايؤمن حاجتها من الرطوبة، وبالتالي تحتاج الغابات إلى أكثر من مئة عام ، حتى تعود كما كانت عليه ، ولن تعود ، وإن عادت ، تكون الغراس مبعثرة وضعيفة النمو ، مشيراً إلى أنه في عهد النظام البائد ، كان أغلب تحريج الأراضي المحروقة ، يتم بدون استصلاح ، وخاصة عند ازدياد الحرائق التي اندلعت سابقاً، وكانت كبيرة بمساحاتها، منوهاً إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى أن آليات الاستصلاح لم تكن موضوعة بتصرف إدارة الحراج في وزارة الزراعة، حيث كانت هذه الآليات بتصرف جهات أخرى ليس لها علاقة بالحراج ، وكنا دائماً نطالب أن توضع هذه الآليات بتصرف الحراج ، كي يتم زجها بإطفاء الحرائق عند حصول أي حريق لاقدر الله ، موضحاً أنه في الأيام التي لايوجد بها حرائق ، فيتم تكليفها أولٱ باستصلاح الأراضي الحراجية التي تعرضت للحرائق ، كما أسلفنا ، وثانيٱ بشق الطرق الحراجية وخطوط النار ، والأهم من كل ذلك تكليف هذه الآليات بصيانة وتنظيف الطرق الحراجية وخطوط النار المشقوقة سابقاً، لأن أي طريق حراجي يصبح عديم الفائدة بعد سنتين من شقه اذا لم يتم تنظيفه وصيانته.
وحول الأنواع الحراجية الواجب زراعتها أفاد بالقول : يجب زراعة أنواع مقاومة للحرائق، حيث توجد العديد من النباتات الحراجية التي تتحمل الحرائق يجب إدخالها بأعمال تحريج المواقع التي تعرضت للحرائق …
وبخصوص سؤالنا هل لديكم تجارب تثبت أن التحريج بعد الاستصلاح يعطي نتائج ممتازة ويعيد الغابة إلى أفضل ما كانت عليه خلال 15 سنة ؟وما الذي كان يمنعكم من تعميم ذلك في جميع أعمال التحريج قال: أنا تحدثت لصحيفتكم من خلال خبرتي بالعمل الزراعي ، حيث عملت في مجال الحراج لمدة حوالي عشرين عامٱ ، كنت خلالها رئيساً للحراج في منطقة الدريكيش ، وقد قمنا بزراعة وإنشاء عدة غابات ، وقبل الزراعة قمنا باستصلاح الأرض بواسطة بلدوزرات مجهزة بسكك للفلاحة ، تنقب التربة على عمق أكثر من متر ، وكنا نزرع الغراس في مكان نقب التربة ، وكانت نسبة نجاح الغراس ممتازة ، وحالياً فإن هذه الغابات بحالة ممتازة ، و تشهد على صدق ما قلته ، منوهاً إلى أنه كانت هناك صعوبة كبيرة في تأمين آليات الاستصلاح ، حيث كانت هذه الآليات بتصرف وإدارة شركات أخرى عائدة للدولة، ولكن ليس لها علاقة بالحراج والغابات ، ومع ذلك كانت تعمل لدى الحراج ، وتأخذ أجرتها وكأنها تعمل لدى القطاع الخاص ، وكأن للخزينة جيبتين ، يؤخذ من جيبة ويوضع في الجيبة الثانية.