الثورة – محمود ديبو:
دعا المهندس عبد الكريم إدريس- المدير العام السابق للمصالح العقارية، إلى ضرورة إيلاء الاهتمام اللازم بالتخطيط الريفي والتنمية الريفية على اعتبار أنه واحد من أهم محفزات تنمية المجتمعات الريفية والزراعة، مبيناً أن التخطيط الريفي اليوم مغيب تماماً عن الوحدات الإدارية في الأرياف والقرى.
ولفت في ورقة العمل التي قدمها خلال ندوة أقيمت في نقابة المهندسين بدمشق إلى أن أهمية ذلك تكمن في أن تنمية الأرياف يساهم بشكل مباشر في تخفيف الضغط عن المدن، ويقلل من استهلاك الموارد المحلية لها ويحقق التوازن المجتمعي والبيئي والطبيعي على كامل الجغرافيا السورية.
اللا مركزية وتوسيع الصلاحيات.
وبين المهندس إدريس أن قانون الإدارة المحلية النافذ حالياً نص على اللا مركزية وتوسيع صلاحيات الوحدات الإدارية وتعزيز دور المجالس المحلية والاستقلال المالي والإداري، بما يعزز التنمية المحلية للوحدات الإدارية بعد نقل صلاحيات بعض الوزارات إلى السلطات المحلية.
وفي القانون المالي للوحدات الإدارية هناك تفصيل وتوضيح لما تستوفيه الوحدات الإدارية والمركز، وكيف يتم تقسيم الموارد محلياً ومركزياً وتوزيعها؟. والصلاحيات الممنوحة للوحدات الإدارية بموجب القانون في مجال إدارة شؤون التخطيط العمراني والتنمية الاقتصادية، وهذا يترجم عبر توسيع وتحديث المخططات التنظيمية التي هي أدوات للتنمية وليست أدوات لجمع المال، ذلك أن إنجاز المخطط التنظيمي يهدف إلى تحفيز التنمية وترسيخها لتعزيز الاقتصاد المحلي لكل وحدة إدارية وتأمين موارد لها، كما يمكن أن تكون هذه الصلاحيات الممنوحة للسلطات المحلية عبر إقامة ضواحي جديدة.
إلا أن هذه الصلاحيات الممنوحة للوحدات الإدارية مغيبة لأن القرار يأتي مركزياً، فمثلاً إذا أراد مطور عقاري إنجاز مشروع في أي من تلك الوحدات الإدارية، فإن كل التراخيص والموافقات يجب أن يحصل عليها من السلطة المركزية التي تتبع لها الوحدة الإدارية (المحافظة)، ويبقى رأي الوحدة الإدارية للاستطلاع فقط ولا يعتبر نهائياً.. وهذا يتنافى مع مبدأ اللامركزية ومع السلطات الممنوحة للوحدات الإدارية في قانون الإدارة المحلية.
ثلاث مراحل
وعليه فقد أكد المهندس إدريس على ضرورة تعزيز دور المجالس المحلية في إدارة الوحدات الإدارية وتعزيز المشاركة الشعبية باتخاذ القرارات، مبيناً أن المخطط التنظيمي يقسم إلى ثلاث مراحل، تبدأ بوضع البرنامج التخطيطي الذي يعتبر المذكرة التي ترسم توجهات الوحدة الإدارية والموارد المتاحة والأهداف، أي هو خطة التنمية للمخطط التنظيمي تقترحه الوحدة الإدارية، لكن تقره السلطات المركزية.
وهنا بالتطبيق تم دمج مرحلتين بمرحلة واحدة، وبحسب المهندس ادريس، فالبرنامج التخطيطي أصبح يقدم مع المخطط التنظيمي العام، وبالتالي تحول هذا البرنامج إلى وظيفة تقليدية وليس فيه رصد للحالة التنموية والموارد في المجتمع المحلي، والسبب أنه لم يطلب أحد أن يتضمن البرنامج التخطيط أكثر من ذلك، مع العلم أن البرنامج التخطيطي هو ما يجب أن يتم عرضه على المواطنين لتلقي الملاحظات والاعتراضات، ويجب أن يحظى بمشاركة شعبية واسعة، وذلك قبل إنجاز المخطط التنظيمي الذي هو بمثابة توظيف هندسي للبرنامج التخطيطي.
وتساءل المهندس إدريس إلى أي مدى تساهم المكاتب التنفيذية والمجالس المحلية في تقييم المخطط التنفيذي ومتابعة تنفيذه وإقرار مراحل التنفيذ؟، مجدداً التأكيد على أهمية التخطيط الريفي مبيناً أن الأرياف لم تحظَ بإنجاز مخططات لها علماً أن هذا التخطيط يعتبر خارج المخططات التنظيمي وله دور كبير في تجميل إزالة الشيوع ومشاريع الري، والتنظيم خارج المخطط التنظيمي واستصلاح الأراضي وغير ذلك.
وخلال حديثه أوضح المهندس إدريس أن تطبيق اللامركزية العمرانية المحلية يستدعي جهوداً ومساع تنطلق من أهداف تنموية للوحدات الإدارية يكون فيها المحافظ (السلطة المركزية) ضامن لمساهمة المجتمع المحلي للقيام بحقه ودوره في المشاركة الواسعة بأي عملية تخطيطية أو بأي قرار يتخذ، على اعتبار أن سلطة المحافظ تقع على الوحدات الإدارية المنتخبة وعلى الخطة العمرانية بكل تجمع عمراني أو على مستوى المحافظة.
وهذا يتطلب بحسب المهندس إدريس وجود سلطة رقابية تضمن استمرارية المشاريع وتنفيذ الخطط الموضوعة وأن تعمل السلطة المركزية على مراقبة الخطط المحلية التي تأتي ضمن السياق التنموية والتي تمت الموافقة عليها، ولا بد من مشاركة لجان الأحياء والقطاع الخاص ونقابة المهندسين، لضمان عدم وقوع تنازع صلاحيات.
تحديات
وفي سياق متصل وجد المهندس إدريس أن هناك تحديات تواجه التخطيط العمراني ترتبط بمفهوم إدارة الأراضي، مبيناً أن الملكيات هي المدخل الأساسي لأي عملية تخطيطية، على اعتبار أن المالكين وأصحاب الأرض هم مشاركين فعليين بعملية التخطيط مع السلطات المحلية، ولا بد من صون ملكيتهم واحترامها والتعامل معها بشفافية.
وبيَّن المهندس إدريس أن الملكيات ورغم أن الدستور السابق نص على أنها مصانة، إلا أن قرارات الاستملاك كانت هي الحل الأسهل الذي كان يتم اللجوء إليه لحل أي مشكلة تخطيطية تتعلق بالملكيات، وبالتالي لم يكن هناك أي مخطط تنظيمي فيه تحليل للملكيات، وقد تجلى ذلك من خلال غياب خارطة وطنية رقمية، فهناك تغييب لدور مؤسسة المساحة التي كانت تنتج خرائط للتخطيط الإقليمي، وأيضاً المصالح العقارية كانت تتعامل بشكل مباشر مع الملكيات، لكن ما حصل هو أنه تمت الاستعاضة عن ذلك بمخططات طبوغرافية تنتجها مديرية الطبوغرافيا ويبنى عليها التخطيط، حتى هذه المخططات الطبوغرافية كانت معزولة وهي فقط للمدن والقرى ولا يوجد بينها ربط جيومتري والمخططات العقارية كانت غير نهائية.
وأكثر ما هو ملاحظ اليوم وجود عدة أشكال للملكيات منها على الشيوع والطابو الزراعي والتقسيم غير الرسمي والمخالفات العمرانية والملكيات المفتتة ما يعطي مؤشراً على انخفاض كفاءة قوانين التخطيط، لأنها لم تعد تنفذ وبرزت تحديات بالتقسيم والتنظيم، الأمر الذي يتطلب تعزيز دور الملكيات إن كان ببدء العملية التخطيطية أو خلالها أو بنتيجتها.
واقترح المهندس إدريس أن يتم اعتماد نشر مراصد حضرية واضحة تمكننا من لحظ منعكسات الخطط ومشاكلها أي تتعثر وأين تنجح، كما تعطي معلومات عن كم مقسم تم فرزه على مستوى سوريا وكم جمعية تم الترخيص لها، وكم ترخيص حصل عليه القطاع الخاص أو المؤسسة العامة للإسكان في مجال الإعمار وهكذا، معتبراً أن التحديات الجديدة التي تواجه التخطيط العمراني تبدأ اليوم من المناطق المهدمة.