الثورة- منذر عيد
يبدو أن قادة “قسد”، ما زالوا بعيدين عن مسألة الالتزام بتنفيذ الاتفاق المبرم مع الحكومة في آذار الماضي، ويتمسكون بمبدأ الاعتراف بالإدارة الذاتية كنموذج فيدرالي، وضمان تمثيلها في الحكومة، ودمج قواتها ضمن هيكل عسكري مستقل، وهو ما ترفضه الحكومة، المتمسكة بمبدأ وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات، كمرتكز أساسي لأي تسوية وطنية قادمة، وهنا يتضح بأن “قسد” لم تأخذ بالحسبان المتغيرات السياسية والعسكرية الحاصلة في المنطقة، أو تغير رؤية الحلفاء لها، والتي شهدت الكثير من الانزياحات، انعكست في موقف الولايات المتحدة الأميركية وتغير نظرتها إليها من شريك إستراتيجي عبر عشر سنوات مذ تأسيسها، إلى دور وظيفي إلى حين انسحاب كامل القوات الأميركية من سوريا.
مع انتهاج الولايات المتحدة الأميركية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب سياسة الانفتاح على دمشق، ورفع العقوبات عنها، وعدم التدخل في شؤون المنطقة وتركها لأبنائها الذين يعيشون فيها، فإن في ذلك رسالة واضحة وكبيرة إلى “قسد” مفادها أن الولايات المتحدة لن تتدخل في شؤون سوريا الداخلية إلى جانب طَرَف على حساب آخر مهما كان.
الأمر الذي أكده المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك بقوله إن “قسد” تشعر أن على واشنطن التزاماً تجاهها و”لكننا لسنا ملزمين إذا لم يكونوا منطقيين، إن الاعتقاد أننا ندين لـ”قسد” لكونها شريكاً لا يعني ديناً بتشكيل حكومة مستقلة داخل حكومة”.
يرى العديد من المتابعين والمحللين السياسيين أن دفع واشنطن بـ”قسد” وبشكل كبير نحو دمشق للاندماج في مكونات الدولة، وكلام باراك ليس كلام لمجرد الكلام، وليس تفاصيل صغيرة في سياسة واشنطن في سوريا، بل هو تحول استراتيجي، وتغير في أولويات واشنطن من إدارة الصراع إلى إعادة تشكيل الإقليم، وهو انتقال من مرحلة سابقة كانت ترى في “قسد” شريكاً استراتيجياً، إلى مرحلة راهنة حولت تلك العلاقة إلى علاقة مرحلية تكتيكية، وليكون بمنزلة انسحاب سياسي، يمهد لاحقاً لانسحاب عسكري، مع انتشار كامل للجيش العربي السوري في الجغرافيا السورية.
من الواضح والمؤكد أن خيارات “قسد” على المناورة في الحوار مع دمشق قلت كثيراً، وخسرت الكثير من أوراق الضغط التي كانت تراهن عليها على طاولة المحادثات، خاصة ورقة رهائن “داعش” في السجون التي تديرها، وذلك مع بدء عهد جديد من السياسة الأميركية تجاه دمشق وتكيفها مع المتغيرات الكبيرة والمفصلية التي شهدتها سوريا منذ الثامن من كانون الأول الماضي، وانخراط الاستخبارات الأميركية في تبادل فعال للمعلومات مع الحكومة السورية، ليؤكد باراك إن “قسد” حليف رئيسي في الحرب على “داعش”، لكنها لا تملك حق إقامة كيان مستقل داخل سوريا.
المحادثات الأخيرة قبل أيام بين دمشق و”قسد” بحضور باراك، كشفت نيات “قسد” الهادفة إلى التمسك بإدارة ذاتية عبر إصرارها خلال المحادثات على الحفاظ على هيكلها العسكري وتعزيز نموذجها للحكم اللامركزي في شمال شرق سوريا، الأمر الذي يعد انتهاكاً للسيادة السورية وبنود اتفاق 10 آذار، ليعكس ذاك وقوع قادة “قسد” في مطب القراءة الخاطئة لقرار “البنتاغون” قبيل المحادثات الأخيرة تخصيص نحو 130 مليون دولار ضمن موازنتها لعام 2026 لدعم كل من “قسد” و”جيش سوريا الحرة”، لتؤكد القيادية في “قسد” روهلات عفرين في مقابلة مصوّرة أجرتها الصحفية الألمانية دوزان تيكال، ونشرتها على حسابها في تطبيق “إنستغرام”، “إن الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وهجمات تنظيم داعش، إلى جانب غياب الديمقراطية، تجعل من الصعب التخلي عن السلاح حالياً”، لتضيف: “لا أحد يرغب في حمل السلاح أو خوض القتال، لكننا سندافع عن أنفسنا إذا تعرضنا لأي هجوم”.
مع استمرار “قسد” في السير بخطوات مترددة نحو دمشق، والتموضع الجديد لواشنطن، فإن ثمة أسئلة تبقى مفتوحة، ما هو مستقبل وجود “قسد” في المشهد السوري، اندماج أم شراكة أم عداء؟.