الثورة – تحقيق حسن العجيلي:
“كانت الدورة التكميلية فرصتي الوحيدة لتحسين مستوايي الدراسي، لكن أحلامي ضاعت اليوم أمام قرار لا يراعي واقعنا”.. بهذه الكلمات الموجعة تصف الطالبة السورية نور حسن (18 عاماً) حالة الإحباط التي اجتاحت آلاف طلاب الشهادة الثانوية العامة في سوريا، بعد قرار إلغاء الدورة التكميلية.
صدمة للطلاب
لقد تعم إلغاء الدورة التكميلية لطلاب الثانوية العامة اعتباراً من العام الدراسي 2024– 2025، بموجب القرار الصادر بالمرسوم رقم 1 لعام 2024، والذي شكّل صدمة حقيقية للطلاب، وخلق حالة من الفوضى والتوتر داخل البيوت السورية، خاصة في ظل الأزمات المتراكمة التي يعيشها قطاع التعليم.
أتى القرار من النظام المخلوع في كانون الثاني من العام الماضي، ليقضي بإلغاء الدورة التكميلية نهائياً، مكتفياً بدورة امتحانية واحدة سنوياً لكل طالب، وبينما علّلت وزارة التربية حينها القرار بأنه “لضبط العملية الامتحانية وتحسين الجودة”، فإن واقع الحال يؤكد أن هذا الإجراء فُرض بمعزل عن معاناة الطلاب والكوادر التربوية، ومن دون أي دراسات تربوية أو استطلاع آراء المختصين أو الأهالي.
الطالبة “نوال” علّقت على القرار قائلة: “في ظل انقطاع الكهرباء، وضعف الانترنت، وسوء الوضع النفسي، لم نكن نملك فرصاً متكافئة، الدورة التكميلية كانت بصيص أمل، تساعدنا في ظروفنا الصعبة التي نعيشها، لذلك فهي ليست ترفا، بل هي سعي لتحقيق العدالة.
آثار كارثية
من ضياع الأحلام إلى الإحباط العام تكشف اللقاءات الميدانية مع الطلاب أن نسبة كبيرة من طلاب البكالوريا اعتمدوا بشكل كبير على الدورة التكميلية، إما لتحسين معدلاتهم أو لتدارك رسوب عرضي في مادة أو مادتين، في كثير من الأحيان، كانت هذه الدورة هي الفاصل بين فشل الابتعاد عن الجامعة، ومستقبل جامعي مشرق.
يقول أبو زياد (والد أحد الطلاب): “ابني كان يطمح لدخول كلية الهندسة، بإعادة مادة الرياضيات ليحقق حلمه، لكنهم ألغوا الدورة فجأة، وبدون سابق إنذار، وبهذا القرار دمروا حلمه.”
أتمتة غير مكتملة
إن قرار إلغاء الدورة التكميلية تزامن مع توجه الوزارة نحو أتمتة بعض مواد الامتحانات، وهذا أمر زاد من قلق الطلاب.. ففي ظل بيئة تعليمية غير مهيّأة، وغياب الكهرباء، ورداءة الخدمات اللازمة، وعدم وجود حواسيب أو تدريب مسبق، أصبح كثير من الطلاب في موقف ضعيف أمام أسئلة مؤتمتة لم يألفوها من قبل.
مدرّسة رياضيات في إحدى مدارس حلب، طلبت عدم ذكر اسمها، قالت: “أغلب طلابنا لا يمتلكون حواسيب، ولا توجد نماذج كافية أو تدريب فعلي على الأسئلة المؤتمتة، فكيف نطبّق الأتمتة في بيئة غير مؤهّلة”؟
في محاولة للدفاع عن حقهم في فرصة ثانية، أطلق آلاف الطلاب حملة إلكترونية عبر فيسبوك تحت وسم: “نطالب بدورة تكميلية”، اجتذبت تفاعلاً واسعاً، وشارك فيها أهالٍ وطلاب ومعلمون، إلا أن وزارة التربية التزمت الصمت، دون أي توضيح أو استجابة، حتى لحل وسط، كاستثناء دفعة 2025 على الأقل من القرار.
دعم نفسي
يرى خبراء في التربية والتعليم أن إلغاء الدورة التكميلية يقوّض واحدة من أهم أدوات العدالة التربوية في البلاد، فهذه الدورة لا تقتصر على تحسين المعدلات، بل تتيح للطالب مراجعة المواد بعمق، والتغلب على الظروف الاستثنائية التي قد تؤثر على أدائه في الدورة الأولى.
يقول الدكتور ياسر صيرفي، أستاذ في المعهد العالي للغات بجامعة حلب: “الدورة التكميلية ليست عبئاً بل رافعة أكاديمية، فالطالب الذي يرغب في تحسين مستواه يستحق أن تُمنح له فرصة ثانية.”
ويرى المدرّس نعمان حبوش أنها “أداة تربوية تعزّز الثقة، وتُكرّس فكرة أن الفشل المؤقت لا يعني نهاية الطريق، هذا قرار تربوي يجب أن يُصاغ بالتشاور مع المعنيين، لا أن يُفرض من فوق”.
معدلات القبول
انخفاض متوقّع في معدلات القبول الجامعي- بحسب تقديرات تربوية، من المتوقع أن تنخفض معدلات القبول في الجامعات السورية بنسبة قد تصل إلى 20 بالمئة هذا العام، نتيجة غياب الدورة التكميلية، ومع ذلك يرى البعض أن إلغاء الدورة التكميلية سيؤدي إلى حرمان آلاف الطلاب من دخول التخصصات التي يطمحون إليها، الأمر الذي سيدفع البعض للتفكير في الهجرة أو التعليم الخاص إن استطاعوا إليه سبيلاً.
يرى البعض أن إصلاح التعليم لا يكون بالعقوبات الجماعية، فإصلاح النظام التعليمي يتطلب شمولية، وتدريجياً، وإشراكاً فعلياً لأصوات الطلاب والمعلمين، لا فرض قرارات فوقية تضيف مزيداً من الأعباء على كاهل الشباب، فالدورة التكميلية وبحسب آراء من التقيناهم لم تكن ترفاً، بل ضرورة لمواجهة واقع صعب تعيشه المدارس والطلاب منذ سنوات.
فهل تعيد وزارة التربية النظر في القرار؟ وهل سيسمع صوت طالب مكسور حلمه و معلّق على فرصة حقيقية ضاعت بقرار؟.