الثورة – إيمان زرزور
في أزقة المدينة القديمة، لا تحتاج إلى كثير من الأسئلة لتدرك أن الحرب مرت من هنا، يكفي أن تنظر في وجوه الناس لتقرأ ما لا يُقال، ملامح منهكة، عيون مطفأة، وتجاعيد حفرت على وجوه الشباب كما الشيوخ، تخبرك أن أحداً لم يخرج سالماً.
رغم أن العمليات العسكرية توقفت، إلا أن آثار الحرب لا تزال حيّة، تنبض في تفاصيل الحياة اليومية، وتتكشّف في صمت الأفراد الذين يعيشون وسط الأنقاض النفسية، فما خلفته سنوات الحرب لم يقتصر على الخراب العمراني، بل امتد ليصيب وجدان المجتمع بكامله.
جيلٌ كامل نشأ على أصوات الانفجارات وصور الركام والموت، فصار اللعب ترفاً، والأمان حكاية بعيدة، الأطفال هنا لا يحلمون بالمستقبل، بل بالنجاة اليومية، فقد كثيرون أصدقاءهم، وشهدوا لحظات لا يُفترض بطفل أن يعيشها، وتحوّلت ساحات اللعب إلى أماكن مهجورة أو ملوثة بالخوف.
النساء اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب، وجدن أنفسهن أمام أعباء متزايدة، يتحملن مسؤولية إعالة الأسرة وتربية الأطفال في ظلّ ظروف معيشية قاسية وانعدام شبه كامل للرعاية والدعم.
يقمن بدورالأب والأم، ويخفين الألم خلف صلابة لا يعرفها إلا من عاش التجربة.
رجال فقدوا أطرافهم أو أصيبوا بجروح دائمة، يكافحون من أجل البقاء في بيئة لم تعد قادرة على استيعابهم.
بعضهم يعيش في عزلة، وبعضهم يتنقل بين الجهات الرسمية بحثاً عن دعم لا يأتي.
وتبقى جراح النفس أكثر عمقاً، حيث العزلة وفقدان القيمة والتهميش الاجتماعي.
حُرم كثيرون من التعليم بسبب النزوح أو القصف، وتقطّعت بهم السبل بين فرص العمل القليلة والبطالة المتفشية،يعيشون في فراغ حاد، ويتساءلون عن جدوى البقاء في وطن يضيق بأحلامهم ولا يمنحهم فرصة للحياة الكريمة.
في زوايا منسية من المدينة، يعيش المسنّون على ذكريات وطن لم يعد كما كان،تركوا في منازل شبه مهدمة أو مخيمات لا توفر لهم إلا الحدّ الأدنى من البقاء.
قلّة من المساعدات وندرة في الرعاية الصحية، في وقت تتزايد فيه حاجاتهم الجسدية والنفسية.
ما بين ركام البيوت وملامح الوجوه، تبرز الذاكرة الجمعية للحرب، ليست الحرب سطوراً في الكتب، بل ملامح محفورة في وجوه الناس، وندوباً لا تزول بسهولة، كثيرون ما زالوا يعيشون صدمة مستمرة، وما زالت صور الموت والخسارة تلاحقهم في تفاصيل الحياة اليومية.
رغم قسوة الظروف، لا يزال هناك من يتمسك بالأمل،وثمة من يبتسم رغم الحزن، ويؤمن أن الغد قد يكون أفضل.
في عيون البعض، لا تزال شرارة الحياة حاضرة، تتحدى اليأس وتؤمن بأن الوطن يمكن أن يُبنى من جديد، ليس بالحجارة فقط، بل باستعادة كرامة الإنسان.
الحرب في سوريا لم تنتهِ بعد، ليس لأنها ما زالت تُخاض بالسلاح، بل لأنها لا تزال حاضرة في كلّ وجه، وفي كلّ قصة، وفي كلّ نظرة صامتة.
إعادة الإعمار لا تعني فقط بناء البيوت، بل تبدأ من ترميم النفوس، وردّ الحياة إلى وجوه أنهكها الألم، وأعين تبحث عن ضوء في آخر النفق.