الثورة- عبد الحليم سعود:
طفا إلى السطح مؤخراً التصويت الذي جرى في مجلس النواب الأميركي، بواقع (31 صوتاً مقابل 24) على مشروع قانون جديد، لتعديل بنود قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على سوريا، حيث اعتبره بعض المراقبين بمثابة تراجع عن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القاضي بالرفع الشامل للعقوبات عن سوريا، في حين وضعه البعض الآخر في إطار التجاذبات الداخلية الأميركية التي تخص مستقبل العلاقة مع سوريا في ظل التطورات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة.
لا يخفى على أي متابع للسياسة الأميركية تجاه منطقتنا، والملف السوري بشكل خاص، أن هناك تباينات عديدة داخل مؤسسات الإدارة الأميركية ولا سيما في الكونغرس وبعض مراكز صنع القرار، تعكس الصراع والتنافس التقليدي بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، كما تعكس من جهة أخرى كمية الضغط التي يفرضها اللوبي الصهيوني عبر ممثلين له داخل مجلسي الكونغرس وباقي مؤسسات صنع القرار أو ما يسمى بالدولة العميقة.
ولكن ما جرى بالأمس لا يمكن تفسيره بأي حال من الأحوال وكأنه تراجع الحكومة الأميركية عن قرار رفع العقوبات الذي أعلنه ترامب من السعودية في أيار الماضي، بل محاولة استثمار في تطورات الشأن السوري بعد أحداث السويداء وتدخل إسرائيل بشكل مباشر.
لو عدنا إلى مشروع القانون الذي قدمه النائب مايكل لاولر وهو من الحزب الجمهوري، سنلاحظ أنه يهدف إلى إدخال تغييرات أساسية على آلية تنفيذ العقوبات الأميركية، حيث يشمل المشروع تمديد فترات الإعفاءات من العقوبات، لتصبح إعفاءات يمكن أن تمتد حتى عامين بدلاً من المدد الحالية القابلة للتجديد، والتي لا تتجاوز 180 يوماً، كما يحدد المشروع إطاراً زمنياً لرفع العقوبات نهائياً بحلول 31 كانون الأول 2029، بشرط التزام الحكومة السورية بالمعايير الأميركية.
كما يتضمن التعديل أيضاً فرض رقابة أكثر صرامة على مصرف سوريا المركزي، حيث يُلزم المشروع وزارة الخزانة الأميركية بتقديم تقارير دورية إلى الكونغرس عن أي أنشطة مشبوهة تتعلق بعمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، كما يطلب المشروع من بنك التصدير والاستيراد الأميركي مراجعة القيود المالية الحالية المفروضة على سوريا وتقييم مدى ضرورتها.
ورغم ذلك تبقى هذه التعديلات شكلية ولا تلغي جوهر قرار ترامب، ولن تصبح نافذة إلا بعد أن تمر بأربع مراحل تشريعية، وهي تصويت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ثم التصويت الكامل في المجلس، تليه لجنة الشؤون المصرفية في مجلس الشيوخ، ثم تصويت مجلس الشيوخ بأكمله، وأخيراً توقيع الرئيس دونالد ترامب، وهنا يتمتع الرئيس بفيتو يمكنه من رفض القرار.
وإذا تم استخدام الفيتو، يعاد المشروع إلى الكونغرس مجدداً، ويحتاج عندها إلى أغلبية الثلثين في كلا المجلسين لتجاوز الفيتو وتحويله إلى قانون، ولذلك فإن الحديث عن التأثيرات الفعلية لمشروع القرار فيه مبالغة سياسية واستثمار إعلامي مبكر، لأن المشروع ما يزال بحاجة لقطع شوط طويل، وقد يتم تعديله جذرياً في اللجان أو حتى تجميده من دون تصويت.
تقول صحيفة البيان الإماراتية في تقرير لها حول الحدث: إن مشروع قانون تعديل قانون قيصر يعكس توجّهاً أمريكياً جديداً نحو “إعادة تصميم العقوبات” على سوريا، من خلال الموازنة بين الضغط السياسي والمحاسبة من جهة، وفتح هامش لإجراءات إنسانية وتخفيف جزئي مشروط من جهة أخرى.
في المقابل، دعا النائب “جو ويلسون” إلى إلغاء قانون “قيصر” بشكل كامل، معتبراً أن استمرار العمل به يعوق إعادة إعمار “سوريا” ويساهم في عودة تنظيم “داعش”، ويرى “ويلسون” أن إلغاء القانون يتماشى مع أجندة “ترامب” تجاه “سوريا” ويمثل فرصة لنهوضها.
الأمر الذي يؤكد أن مشروع تعديل قانون قيصر يعكس حالة من توزيع الأدوار داخل الإدارة الأميركية من أجل المزيد من الاستثمار السياسي في الأزمة أو الملف السوري، ولكن يبقى التعويل في النهاية على إرادة السوريين ووحدتهم وتصميمهم على مواجهة الأزمات والأخطار المحيقة بهم، والعبور إلى دولة تحتضن كل أبنائها.