خطف الأطفال وتجنيدهم في سوريا.. جريمة مستمرة في ظل الحرب

الثورة: 

رغم مرور أكثر من عقد ونصف على اندلاع الحرب في سوريا، لا تزال الانتهاكات بحق الأطفال مستمرة، وفي مقدمتها ظاهرة خطفهم وتجنيدهم القسري في النزاعات المسلحة، فقد تحوّل هؤلاء الأطفال إلى وقود للصراع، ضحايا لسياسات التجنيد التي تنتهجها أطراف متعددة، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية عبر أذرعها المدنية والعسكرية.

تجنيد الأطفال: واقع صادم ومعطيات مقلقة

تشير تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى استمرار عمليات تجنيد الأطفال من قبل قوات سوريا الديمقراطية، لا سيما من خلال ما يُعرف بـ”الشبيبة الثورية – جوانن شورشكر”، حيث يتم استدراج القاصرين من المدارس أو الفعاليات العامة، ثم اقتيادهم إلى معسكرات تدريب عسكرية.

آخر هذه الحالات كانت الطفلة “ميرنانة عمر والي”، البالغة من العمر 16 عاماً، والتي اختُطفت من مدينة عين العرب (كوباني) في 19 يوليو/تموز 2025 عقب مشاركتها في فعالية محلية، وتم اقتيادها إلى مركز تجنيد دون علم ذويها أو السماح لهم بالتواصل معها.

ووفقاً للشبكة، فإن أكثر من 400 طفل لا يزالون في معسكرات تجنيد تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، في ظروف تتنافى مع الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، دون إشراف قضائي أو ضمانات قانونية.

آثار كارثية على الأطفال والمجتمع

يمثل تجنيد الأطفال انتهاكًا مزدوجاً، فهو يحرم الطفل من بيئته التعليمية والعائلية، ويدفعه نحو عالم العنف والسلاح، ما يترك آثاراً نفسية وجسدية طويلة الأمد، وأبرز هذه الآثار تشمل “اضطرابات نفسية مزمنة (مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة)، وفقدان فرص التعليم والتطور الاجتماعي.

كذلك استخدام الأطفال في الخطوط الأمامية أو المهام اللوجستية والقتالية، وتعرضهم لسوء المعاملة أو الاستغلال الجنسي أحياناً، وتنمية مفاهيم عدوانية مبكرة وتكريس ثقافة العنف، كما تخلق هذه الظاهرة تهديداً طويل المدى للنسيج المجتمعي، إذ تعيد إنتاج أجيال معتلة نفسياً، ومحرومة من الحقوق الأساسية التي تكفلها المواثيق الدولية.

 

المنظور القانوني الدولي: جريمة حرب موصوفة

يعد خطف الأطفال وتجنيدهم انتهاكًا صارخاً للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان الدولي، وتحديداً “المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل (1989) التي تحظر إشراك من هم دون 18 عاماً في النزاعات المسلحة، وتُلزم الأطراف باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع ذلك.

ويعتبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تجنيد الأطفال دون 15 عاماً في النزاعات المسلحة جريمة حرب، كما أن اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية تجرم المعاملة اللا إنسانية واختطاف المدنيين، بمن فيهم الأطفال، وتعتبر الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (2006) إخفاء القاصرين شكلاً من أشكال الاختفاء القسري والمعاملة اللا إنسانية، ويضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حرية التنقل والحماية من الاعتقال التعسفي ويدين حرمان الأطفال من أسرهم قسراً.

المسؤولية الأخلاقية والسياسية

يقع على عاتق السلطات الفعلية والمجتمع الدولي واجب قانوني وأخلاقي لإنهاء هذه الممارسات، فصمت الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية أمام الانتهاكات المتكررة، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوى حليفة لبعض الأطراف الدولية، يثير تساؤلات عن ازدواجية المعايير في حماية الطفولة.

وتُعد مشاركة منظمات مثل اليونيسف والصليب الأحمر في الوصول إلى معسكرات التجنيد ضرورة عاجلة لتوثيق الانتهاكات والضغط من أجل الإفراج الفوري عن الأطفال.

وتوصي المنظمات الحقوقية السورية والدولية منها، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأطفال المجندين، وسنّ تشريعات وطنية صارمة تجرّم التجنيد وتلاحق القائمين عليه، وتمكين الأطفال العائدين من إعادة الاندماج الاجتماعي والنفسي، ودعم برامج تعليمية وتأهيلية بديلة للأطفال في المناطق الخارجة من الصراع، علاوة عن توفير حماية دولية حقيقية عبر آليات رصد مستقلة وإجراءات محاسبة فعالة.

في تقرير سابق، كانت أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن “الشبيبة الثورية”، الناشطة في شمال شرق سوريا والمرتبطة بـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تواصل تجنيد الأطفال لصالح مجموعات مسلحة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وذكرت المنظمة أن الجماعة قامت بتجنيد فتيان وفتيات لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، حيث تم اقتيادهم من مدارسهم وأسرهم، وحرمان عائلاتهم من أي تواصل معهم، رغم وعود سابقة من “قسد” بوقف هذه الممارسات، وأشارت إلى أن هؤلاء الأطفال يُخضعون لاحقاً لبرامج تلقين أيديولوجي، قبل نقلهم إلى فصائل مسلحة تابعة لـ”قسد”، دون أي مساءلة تُذكر.

وقال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: “رغم التزامات ’قسد‘ العلنية بوقف جميع أشكال تجنيد الأطفال، إلا أن استمرار نشاط حركة الشبيبة الثورية في تجنيد القاصرين يعكس تقاعساً خطيراً يجب وضع حدٍّ له”، وشدّد كوغل على ضرورة أن تتخذ “قسد” إجراءات حازمة وفورية لضمان تطبيق سياسات صارمة تمنع استغلال الأطفال، وتحميهم من التورط في الصراعات المسلحة.
خطف الأطفال وتجنيدهم في سوريا هو من أفظع الجرائم المرتكبة في سياق الحرب، وهو جرح غائر في ضمير الإنسانية، وإذ تمثل هذه الممارسات انتهاكًا صارخاً للقوانين الدولية، فإن محاسبة المتورطين ووقف هذه الجريمة المنظمة يجب أن يكون أولوية قصوى في أي تسوية أو عملية إعادة إعمار.

 

آخر الأخبار
باراك: نعمل مع شركائنا لبناء سوريا موحدة وآمنة  فيدان: لا تفاوض تحت تهديد السلاح وتركيا ترفض شرعنة الكيانات المسلحة في سوريا  المئات من أهالي العنازة بريف بانياس يقولون كلمتهم: سوريا واحدة موحدة ويجمعنا حب الوطن مشاركة لافتة للمغتربين في "كيم أكسبو".. أثبتوا جدارتهم في السوق الدولية فرنسا تلغي مذكرة التوقيف بحق المخلوع  الأسد وسط تصاعد المطالبات بالمحاسبة الدولية فعاليات من اللاذقية لـ"الثورة": سيادة القانون والعدالة من أهم مرتكزات السلم الأهلي وزير الاستثمار السعودي يطلع على الموروث الحضاري في متحف دمشق الوطني مذكرة تفاهم سياحي بين اتحاد العمال وشركة "لو بارك كونكورد" السعودية كهرباء ريف دمشق تتابع إصلاح الأعطال خلال يوم العطلة وزير الاستثمار السعودي يزور المسجد الأموي محافظ درعا: استقبلنا نحو 35 ألف مهجر من السويداء ونعمل على توفير المستلزمات باريس تحتضن اجتماعاً سورياً فرنسياً أمريكياً يدعم مسار الانتقال السياسي والاستقرار في سوريا فيصل القاسم يدعو إلى نبذ التحريض والتجييش الإعلامي: كفانا وقوداً في صراعات الآخرين الحفاظ على السلم الأهلي واجب وطني.. والعبث به خيانة لا تغتفر  الأمن الداخلي يُجلي عائلة أردنية علقت في السويداء أثناء زيارة لأقاربها "الصمت الرقمي".. كيف غيّرت وسائل التواصل شكل الأسرة الحديثة؟  عودة اللاجئين السوريين.. تحديات الواقع ومسارات الحل  نائبة أميركية تدعو لإنهاء "الإبادة الجماعية" في غزة وئام وهاب… دعوات للعنف والتحريض الطائفي تحت مجهر القانون السوري الأمم المتحدة ترحب برفع العقوبات عن سوريا وتعتبرها خطوة حاسمة لتعافي البلاد