الثورة – زهور رمضان:
نعلم جميعاً أن وزارة التربية والتعليم لجأت هذا العام، ولأول مرة، إلى استخدام نظام الأتمتة في امتحان الشهادة الثانوية، بعدما قامت بتطبيقه بشكل خجول العام الفائت ضمن امتحان الفصل الأول لمادتين فقط بقرار من وزير التربية السابق، لتقوم لاحقاً بإلغائه وتأجيل تطبيقه للعام الحالي بقرار من رئاسة مجلس الوزراء.
ومن المؤكد أن الوزارة لم تقم باعتماد نظام الأتمتة للصفوف الانتقالية، ولو بشكل تدريجي خلال السنوات الماضية، فيما تم اعتماده بشكل رسمي في امتحانات هذا العام من دون استعداد مسبق ومناسب ربما لهذه التجربة من قبل معظم الطلاب أو حتى المدرسين.
الرياضيات ربع المنهاج
وقد تجلت مشكلة الأتمتة بشكل رئيسي في المواد العلمية، وخاصة بمادة الرياضيات التي تعتبر المادة الأهم في منهاج الشهادة الثانوية، لأنها تشكل علاماتها ربع المنهاج بـ600 علامة من أصل المجموع العام، وهي تقرر فعلياً رغبة الطالب الجامعية، وخصوصاً لمن يطمح بكليات الهندسة أو الطب أو العلوم التطبيقية.
2500 مسألة وتمرين
وتشمل مادة الرياضيات أبحاثاً هامة كالمتتاليات والتوابع والأشعة بالإضافة للأعداد العقدية والتحليل التوافقي والاحتمالات، كما أنه يقسم منهاج الرياضيات إلى كتابين يشملان الأبحاث سابقة الذكر متضمنة أكثر من 2500 مسألة وتمرين، ما يشكل عائقاً أمام الطالب الذي لا يتمكن من حلها جميعاً، سواء في المنزل أم المدرسة، ربما لعدم توفر الإمكانية المادية لاستقدام مدرس خصوصي لحلها في ظل عدم استطاعة مدرس المادة من حلها خلال أثناء العام الدراسي، في حال أتاح له التلاميذ إمكانية الشرح خلال العام.
ازدواجية في الخطط
لقد تميز هذا العام الدراسي بكونه مزيجاً من خطط وزارت التربية والتعليم، إذ سعت الوزارة السابقة لاعتماد نظام الأتمتة كأسلوب امتحاني جديد على مدار العام من دون أي تأهيل للطلاب لهذا الأمر، فيما استمرت وزارة التربية الجديدة على خطا الوزارة السابقة في اعتماد نظام الأتمتة الذي أثار كثيراً من الجدل إضافة لموجة عارمة من التساؤلات، إذ انقسم العديد من الطلاب والمدرسين بين مؤيد ومعارض، ومتحمس للفكرة أو معرض عنها، فيما لاقت استحساناً من قبل بعض المدرسين لأنها تلقي عن كاهلهم عبء تصحيح الأوراق الامتحانية وتختصر الوقت والجهد.
اليوم وبعد انتهاء الطلاب من تقديم مادة الرياضيات يتبادر إلى أذهاننا سؤال هل أعطت هذه التجربة ثمارها ونتائجها؟ إذ يبقى السؤال المحير هل تقديم الطلاب لمادة الرياضيات وفق نظام الأتمتة أفضل من تقديمها وفق النظام التحريري السابق؟ وما هي أهم نقاط الخلل في تطبيق هذا النظام المؤتمت بإيجابياته وسلبياته؟ خاصة بعد ورود 30 سؤالاً في ورقة الامتحان لكل سؤال 20 علامة، الأمر الذي شكّل ضربة للطالب الذي لم يستطيع الإجابة عليها فتبددت آماله وضاعت أحلامه.
صحيفة الثورة التقت عدداً من الطلاب والمدرسين لمادة الرياضيات للتعرف على آرائهم في مستوى الأسئلة هذا العام ومدى قناعتهم بهذا الأسلوب المعتمد حالياً.
الأسئلة..
تنوعت آراء طلاب الثالث الثانوي حول أسئلة الرياضيات، وأكد الطالب سلمان صارم الذي قدم كلاً من النظام التحريري العام السابق، والأتمتة هذا العام، أن الأسئلة كانت صعبة إلى حد ما، معاكسة للنموذج الاسترشادي الذي تدرب عليه وتحتاج لوقت أطول. فيما يرى الطالب شريف. خ، أن الأسئلة متوسطة الصعوبة ولا يوجد بينها أسئلة سهلة، وإن أخطأ الطالب بخمس أسئلة خسر مجموعه، معتبراً أن الوقت كافٍ لثلاثين سؤالاً، لكن صعوبة الأسئلة لم تمكنه من الحل الصحيح. فيما يرى الطالب علي أحمد أن الأسئلة سهلة بشكل عام، وإن كان بعضها يحتاج القليل من التفكير، فيما الوقت كاف، وجو الامتحان كان مريحاً للطالب.
نموذج مختلف ومفاجئ
وبناء على ما تقدم يوضح اختصاصي مادة الرياضيات الأستاذ أحمد عباس في تصريح لصحيفة الثورة أن الأسئلة كانت مقبولة وغير صعبة، أي أنها تناسب المستوى الوسط والجيد، لكن عددها قليل مقارنة بالنماذج الاسترشادية المطروحة، منوها بأن كل خطأ يشطب يذهب، 20 علامة من علامات المادة، معتبراً أنه أمر كارثي وخاصة بالنسبة للطالب الذي يطمح بالحصول على العلامة التامة. وأضاف العباس: إن نظام الأتمتة كتجربة غير مقبولة بالنسبة للرياضيات تحديداً، وهي فاشلة حسب تعبيره، خاصة مع هذا المنهاج، معللاً ذلك بضخامة المنهاج وكثافته ومحتوياته لآلاف التمارين، فيما ورقة الامتحان اقتصرت على ثلاثين سؤالاً وهي غير كافية لتقييم الطالب ومن الممكن بخطأ إشارة بسيط أن يخسر علاماته. واقترح العباس أن يتم تعديل المنهاج أو تخفيفه على الأقل بما يتناسب مع الأتمتة أو إلغائها إن أمكن ذلك، مذكراً بعدد من الفقرات التي لا يمكن أتمتتها كالاستقراء الرياضي وغيرها، فيما بعض الفقرات والأفكار تحتاج لوقت أطول مما يجعل عملية أتمتتها غير مجدية وأشار لأهمية حذف الأنشطة الواردة في نهاية أبحاث الكتاب أو تعديلها على الأقل.
صعوبة التمييز
فيما يرى مدرس الرياضيات علاء ديب أن تجربة الأتمتة تعتبر “فاشلة” وغير مجدية ولا يمكن الاعتماد عليها للتمييز بين الجيد والوسط، كما أنه لا يوجد تدرج في العلامات، مقترحا العودة للنظام التحريري أو تجزئة الأسئلة بين النظامين.وطالب بدورة تكميلية نظراً للتوتر الحاصل للطلاب خلال الفحص والظروف الاستثنائية خلال هذا العام، معتبراً أن تقليص نظام الأسئلة من 40 إلى 30 سؤالاً فاجأ الجميع وأدى لضياع مزيد من العلامات للطالب.. مؤكداً على تدريب الطالب نفسه على تجربة الأتمتة من بداية المرحلة الثانوية. بدوره أيضا ذكر المدرس أحمد خضور أن تطبيق نظام الأتمتة على مادة الرياضيات مفيد لكل من الطالب والمدرس، لأنه يريح المدرس من عناء التصحيح، ويظهر مدى فهم الطالب لأبحاث الرياضيات واستيعابها ويمكنه من استنتاج الحل بسرعة. وأضاف: صحيح أن أسئلة الرياضيات كانت منطقية و تراعي الفروق الفردية من حيث نوعية الأسئلة وفقاً لكثير من الطلاب، لكن الصدمة كانت بعدد الأسئلة الذي فرض ثقل 20 علامة لكل سؤال.. وبالتالي هل مدة ساعتين ونصف للطالب في قاعة الامتحان كافية.؟هل أنصفنا اليوم الطالب المجتهد بامتحان مؤتمت لا يتناسب مع مادة ضخمة تحتاج لتعب طويل خلال العام لتحصيل الدرجات العالية؟ في حال الإصرار على الامتحان المؤتمت هل يمكن تجزئة المادة لامتحانين يجريان بوقتين منفصلين لكل قسم على حدة ويعطى كل قسم حقه بـ ٣٠ سؤالاً لكل منها ١٠ علامات؟ أليس من الأفضل الإبقاء على الأتمتة لمواد يناسبها ذلك؟هذه الأسئلة وغيرها الكثير من التساؤلات مازالت تدور في رؤوسنا ورؤوس أبنائنا الطلاب..