الثورة_مها دياب:
في لحظة تبدو عابرة على قارعة الطريق، وقف الشرطي يوسف الأحمد بثبات وهو يرفض رشوة قدمها له سائق مخالف، لم يتحدث بصوت عالٍ ولم يرفع شعارات، بل اكتفى بتطبيق القانون ورفض التجاوز.
ولكن ما فعله لم يكن عادياً ولكن تصرفاً بسيطاً أعاد صياغة مشهد مألوف بتفاصيل جديدة، وحرك ساكنا في وجدان مجتمعي مثقل بتاريخ من الشكوك في سلوك المؤسسة الحكومية.
هذا الموقف، حمل بين طياته أصدق أنواع التعبير عن الانتماء، وفتح الباب لطرح أسئلة مؤجلة حول معنى أن تكون الدولة في خدمة المواطن لا على حسابه.
نافذة على التغيير
في بلد عاش طويلاً في ظل ثقافة تغاضت عن الرشوة واعتبرتها جزءاً من التعامل اليومي، شكلت ردة فعل شرطي المرور نقطة تحول.
فلم يكن الرفض مجرد اعتراض، بل بداية لهدم نمط راسخ من الفساد واستعادة المعنى الحقيقي للخدمة العامة.
هنا تحول الأحمد من مجرد منفذ للقانون إلى رمز يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والمؤسسة، ليس بوصفه بطلاً خارقا، بل لأنه مارس البديهي الذي غاب طويلاً عن سلوكيات اعتادها الناس مضطرين، لا مقتنعين.
تكريم ..قيمة النزاهة
لم يكن لقاء وزير الداخلية أنس خطاب بالشرطي مجرد مجاملة، بل اعتراف صريح منه بقيمة النزاهة، وتأكيد أن بناء الدولة يبدأ من أصغر موقع عمل.
كما أن وصف الوزير لسلوك الموظف بأنه يمثل “الدولة التي نطمح إليها” فيه إشارة لواقع جديد تعيد فيه المؤسسات الاعتبار للمواطنة وللقيم التي كانت مغيبة في مراحل سابقة.
إن هذا اللقاء حمل ما هو أكبر من صورة إعلامية، كان إعلاناً بأن المؤسسة تريد الانحياز للناس، لا فوقهم، وأن القانون ما هو إلا ضمانة للعدالة.
الثقة لا تولد من فراغ
إن النزاهة ليست ترفا أخلاقيا في مؤسسات الدولة، بل هي ضرورة وجودية تعيد بناء الجسور بين المواطن والسلطة. فحين يشعر الناس أن من يعمل في المرافق العامة ينتمي إليهم ويحترمهم، تتحول العلاقة من خوف إلى اطمئنان.
فالفساد لا يهزم بالقوانين وحدها، بل بالنماذج الحية التي تُثبت أن الالتزام ليس مثالية بل مسؤولية والموقف الشريف ليس نادراً إذا توفرت له ظروف الحماية والدعم والتقدير، وتحولت السلوكيات النزيهة من استثناء إلى نمط عام.
ثقافة تزرع
سوريا بعد التحرير خرجت من مراحل مظلمة، والناس فيها تتطلع إلى دولة عادلة ومؤسسات نظيفة، و النزاهة و العدالة فيها ممارسة يومية تبدأ من احترام النفس وتمتد إلى احترام القانون.
لذلك يجب تحويل النزاهة إلى ثقافة مجتمعية تبدأ من التربية، والإعلام، والإدارة، وترسخ باعتبار كل موظف نزيه هو حجر أساس في بناء الدولة التي تحمي مواطنيها، وتكسبهم الثقة، وتدفعهم إلى الانتماء الحقيقي.
قيمة تتجاوز الأفراد
في زمن التحرير وإعادة البناء، يتعين على السوريين أن يعيدوا تعريف ما يعنيه الولاء وما يقتضيه حب الوطن، فالنزاهة هي جوهر العلاقة السليمة بين المواطن والمؤسسة.
وعندما تصبح القيم قاعدة لا استثناء، تتحول المواقف البسيطة إلى محركات للتغيير، ويتحول الموظف الحكومي إلى ركيزة في بناء سوريا الجديدة، لأن احترام القانون أصبح سلوكاً طبيعياً، مبني على الشراكة والثقة.