الثورة – حسين صقر:
في زمن يروَّج فيه معظم الناس لحب الذات كقيمة عليا، من الواجب عدم الخلط، بين الثقة بالنفس والأنانية والنرجسية المرضية، لأن حب النفس لا يعني تجاهل الآخرين أو التقليل من شأنهم، ولو كان الأمر كذلك لاتخذ منحى النرجسية، لأن الأخيرة إن تُركت بلا وعي أو علاج، تتحول إلى سلوك مدمر، لا يؤذي صاحبه وحسب، بل يمزق نسيج العلاقات الإنسانية من حوله.
ولتوضيح هذا المفهوم، تواصلت صحيفة الثورة مع الاختصاصي النفسي جوني مخول، والذي قال: إن النرجسية صفة وحالة شخصية تمتاز بتقدير الذات المفرط، والإعجاب بالنفس، والافتقار إلى التعاطف مع الآخرين، كما قد تتطور من سمة شخصية عابرة إلى اضطراب معقد في الشخصية يؤثر على علاقات الفرد الاجتماعية والمهنية.
شعور مبالغ
وأوضح مخول أن الشخص النرجسي يعتقد أنه مميز وفريد، ويتوقع معاملة خاصة من الآخرين، وهذا مبالغ فيه إلى حد غير معقول، ولا يتذكر أن حب الذات، لا يعني أن ننظر للناس من فوق كما يقال، ولاسيما أننا نعيش في زمن تتصدر فيه ثقافة الصورة الذاتية والمظاهر واجهات الحياة اليومية، وأصبح الحديث عن النرجسية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وتساءل، هل حب الإنسان لنفسه أمر طبيعي؟ أم أن هناك حدوداً تحول عندها هذا الحب إلى اضطراب نفسي خطير يُهدد العلاقات الإنسانية ويقوض أسس التوازن الاجتماعي.
وأضاف مخول: في علم النفس تشير النرجسية إلى نمط من الشخصية يتميز بـالأنانية الشديدة، الشعور المفرط بالعظمة، والحاجة المستمرة إلى الإعجاب والتقدير، مع غياب ملحوظ للتعاطف مع الآخرين، وفي ذات الوقت، من المهم أن نميز بين النرجسية الطبيعية، التي تعتبر جزءاً من النمو النفسي الصحي، وبين النرجسية المرضية، التي تُعد اضطراباً في الشخصية.
الطبيعية تحترم الذات
ونوه الاختصاصي النفسي بأن النرجسية الطبيعية تتجلى في احترام الذات والطموح، والثقة بالنفس، وهي ضرورية لتحقيق الأهداف وبناء الذات، أما المرضية فهي اضطراب في الشخصية، وهي حالة يُبالغ فيها الشخص في تقدير ذاته، يرى نفسه محور الكون، ويتعامل مع الآخرين كأدوات لخدمة مصالحه، وأن أبرز ما يميز شخصية المريض النرجسي، الشعور بالتفوق المطلق دون مبرر منطقي، والمبالغة في الحديث عن النجاحات الشخصية، وعدم القدرة على تقبّل النقد أو الاعتراف بالخطأ، واستغلال الآخرين نفسياً أو عاطفياً لتحقيق مصالحه الشخصية.
وقال: يعاني المريض من نقص التعاطف مع مشاعر الآخرين أو تجاهلها تماماً. وحول تأثيرها على العلاقات أضاف مخول، أن النرجسية ليست مشكلة فردية فقط، بل تتحول إلى أزمة اجتماعية عندما تتسرب إلى العلاقات الشخصية، وبيئات العمل، وحتى الحياة السياسية، وفي العلاقات العاطفية، يعاني الشريك من الإهمال أو التلاعب العاطفي، أما في بيئة العمل، فالنرجسي قد يُفسد روح الفريق بسبب حبه للسيطرة وحاجته المستمرة للإطراء، أما في الأسرة، يؤدي غياب التعاطف إلى خلق بيئة غير صحية نفسياً للأبناء أو الشركاء.
العلاج السلوكي
وأوضح الاختصاصي النفسي أنه على الرغم من صعوبة علاج اضطراب الشخصية النرجسية، لأن صاحبها نادراً ما يستجيب أو يعترف بمشكلته، إلا أن العلاج النفسي، وخصوصاً السلوكي المعرفي يمكن أن يساعد على تعديل السلوكيات المتمركزة حول الذات، وزيادة الوعي الذاتي، وبناء مهارات التعاطف والتواصل.
وختم بالقول: إن النرجسية بالأصل مستمدة في أصلها من الأسطورة الإغريقية الشهيرة التي تروي قصة “نرسيس” الشاب الذي فُتن بجماله حتى غرق في حب صورته المنعكسة في الماء، ومات من دون أن يلتفت للعالم من حوله، ولهذا يسعى النرجسيون باستمرار إلى الإطراء والمديح، وقد يتلاعبون بالآخرين للحصول على ما يريدون، وغالباً يعيش النرجسيون في خيالات حول النجاح والقوة والجمال، وقد يبالغون في تقدير إنجازاتهم.