بعد تحويلها من منابر للوعي إلى أدوات للولاء… كيف تعود الجامعات السورية لنبضها قبل البعث؟
عبر التاريخ، لم تكن الجامعات مجرد قاعاتٍ للعلم، بل ساحاتٍ تشكل وعي الشعوب وتحرك عجلة الإصلاح السياسي والإجتماعي وفي سوريا، كانت الجامعات على رأسها ” الجامعة السورية” التي أسست عام 1923 تلعب دوراً جوهرياً في صياغة الخطاب الوطني، وبناء نخبة فكرية مؤثرة، كما ساهمت في التحرر من الهيمنة الاستعمارية وبناء هوية سورية مستقلة. وفق “موسوعة التاريخ السوري” وُصفت تلك الحقبة بالازدهار والانفتاح، استمرت حتى منتصف الستينات، وشهدت فيها أنشطة طلابية قوية، مرتبطة بالحراك السياسي الوطني ونقاشات فكرية بين القوميين واليساريين والإسلاميين، كما كانت الندوات الأكاديمية والمطبوعات الطلابية، آنذاك، من أبرز المنابر التي تنقل الجدل الاجتماعي حول الديمقراطية، حقوق المرأة، الاقتصاد، والهوية الوطنية، عدا عن ذلك، لعبت الجامعة دوراً مركزياً في تخريج قيادات سياسية وثقافية من ضمنهم مفكرين كعبد الرحمن الكيالي، وجورج طعمة، الذين ساهموا في نقاشات الدستور والهوية بعد الاستقلال.
أجواء الحرية هذه، حتى وإن شابها توتر سياسي، سمحت بتكوين جيلٍ نقدي وواعٍ أسس لمرحلة مدنية واعدة، ما لبثت أن تلاشت تحت وطأة الحكم البعثي الذي خنق الحريات الأكاديمية، وفرض نسق جامد من الفكر الواحد والولاء السياسي القسري.
لم يكن القمع جسدياً فقط، بل معرفياً أيضاً، إذ حُجبت المناهج النقدية وأقصيت الأصوات الحرة وأبدلت النخب العلمية بمندوبين حزبيين وكما تشير تقارير مؤسسة “هاينرش بول” عام 2013 و”هيومن رايتس ووتش” عام 2010 فإن هذا التآكل البنيوي في استقلالية الجامعة حولها من فاعل اجتماعي إلى جهاز بيروقراطي خامل.
طلاب تحت المراقبة
في ذات السياق، وصف الكاتب السوري ياسين الحاج صالح الجامعة البعثية بأنها ” مركز إعادة إنتاج الخوف” حيث ذكر مقاله المنشور في مجلة “المستقبل العربي” عام 2008 أنه في السابق، كان إرسال الابن إلى الجامعة السورية يعني الترقي الاجتماعي لكن في عهد البعث، بات الأهل يخشون على أولادهم من الاعتقال أكثر مما يرجون لهم مستقبلاً، والجامعات تحولت إلى أفخاخ أمنية لا مؤسسات للتعليم، آلاف العائلات شهدت ضياع مستقبل أبنائها لأنهم عبروا عن رأي، او انتسبوا إلى تيار فكري مختلف.
الولاء قبل الكفاءة
“هيومن رايتس ووتش” تحدثت في تقرير عام 2010 عن تعيين عمداء كليات وأساتذة جامعات من ضباط أو أعضاء في الحزب لا يملكون مؤهلات حقيقية، وتطهير الكليات من كل من لا يردد أدبيات البعث، وتم تسليم التعليم لأشخاص مهمتهم الأساسية التلقين لا التعليم.
وبحلول الألفية، كانت الجامعة السورية قد تحولت إلى جهاز بيروقراطي عاجز عن إنتاج المعرفة أو دعم الاقتصاد الوطني، أو تخريج كفاءات تستطيع التفاعل مع العالم، حيث هاجر آلاف الطلاب المتفوقين والأساتذة، وتحولت سوريا إلى بلد يصدر العقول لكنه يعجز عن احتضانها، والذي يثبت ذلك انخفاض تصنيف “جامعة دمشق” من ضمن أفضل 500 جامعة في السبعينات إلى ما دون المرتبة 3000 عالمياً عام 2010، حينها لم تسجل الجامعات السورية براءة اختراع واحدة ذات تأثير علمي عالمي، بحسب تقرير “البنك الدولي” عام 2020.
مابين الخراب والإصلاح

رؤية جامعة دمشق
مكانة الجامعة..ستعود
بالعمل الطلابي والبرامج الاستراتيجية
وبخصوص دور الطلاب في تعزيز مفهوم العيش المشترك، أشار إلى أنه بإمكان الطلاب أن يسهموا بشكل كبير من خلال تسليط الضوء على المظاهر الإيجابية للحياة الجامعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن تداول المنشورات المسيئة أو العبارات المستفزة، وكرر تأكيده أن الظواهر السلبية، رغم حجمها الحقيقي الصغير، يتم تضخيمها أحياناً، فالبيانات الحادة التي أصدرها بعض الطلاب في السكن الجامعي، والتي تم تداولها بشكل واسع، كانت من قبل حوالي 100 طالب فقط، بينما يضم السكن حوالي 20 ألف طالب، مما يوضح الحاجة لوعي أكثر في التعبير وتقديم الصورة الحقيقية للجامعة. وفي الختام، تطرق رئيس جامعة دمشق إلى أن الجامعة تدرس حالياً برامج واستراتيجيات جديدة لتعزيز ثقافة التسامح والوحدة الوطنية، حيث تركز على تأمين بيئة تمكن الطلاب من تطوير مهاراتهم العلمية والحياتية، ودعم الأنشطة التدريبية والثقافية والرياضية، مع فتح الآفاق أمام الشباب لتحقيق طموحاتهم والانخراط بشكل إيجابي في المجتمع، الأمر الذي يعد أساساً لتعزيز روح التكاتف والتعايش بين مختلف الطوائف والمكونات السورية. الجامعات السورية ضحايا أيضاً للنظام البائد، هذا الإرث لا يزال حاضراً ويعد من أكبر التحديات أمام بناء سوريا جديدة قائمة على المعرفة.