مع عودة الاستقرار النسبي إلى العديد من المدن السورية، برزت الحاجة الملحة لإعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، وخاصة من رجال الأعمال السوريين المغتربين، فالاستثمار اليوم لم يعد خياراً، بل ضرورة لتأمين فرص العمل، وإنعاش القطاعات الخدمية، وإعادة سوريا إلى موقعها الاقتصادي الحيوي في المنطقة.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن البلاد تملك إمكانات كبيرة غير مستغلة، في قطاعات حيوية مثل السياحة، الصناعة، الزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، لكن هذه الإمكانات تحتاج إلى بيئة تشريعية وأمنية مشجعة تضمن للمستثمرين حقوقهم وتمنحهم الثقة لمخاطرة مدروسة في بيئة لا تزال تمر بمرحلة تعافٍ.
شروط واقعية
ويضيف الحميد إن قطاعات عديدة لا تزال شبه خالية من الاستثمار الحقيقي، ومنها القطاع السياحي، قائلاً: الفنادق في سوريا لا تزال دون المستوى المتوقع. مثلاً، حتى الفنادق الكبرى مثل الفور سيزون، تبقى مرتفعة التكلفة مقارنة بالخدمة التي تقدمها، نحتاج إلى سلسلة فنادق محترفة بأسعار منطقية تخدم السياح والمستثمرين القادمين، وهذه فرصة ضخمة لم يتم استغلالها بعد.
ولتحقيق بيئة جاذبة وفعالة، يشدد المستثمر الحميد على ضرورة تفعيل القوانين الاستثمارية الحالية وتطويرها لتكون منسجمة مع المتغيرات العالمية، إضافة لضمان استقلالية القضاء وتطبيق القانون بشكل عادل لحماية حقوق المستثمر المحلي والأجنبي، مع توفير ضمانات حقيقية للاستثمار عبر التأمين القانوني والمالي، خاصة للمغتربين، مع أهمية تبسيط الإجراءات البيروقراطية عبر مراكز خدمة موحدة للمستثمرين، ويضيف الحميد ولا ننسى أهمية تحسين البنية التحتية وخاصة الكهرباء، الاتصالات، والنقل، مع خلق شراكات بين القطاعين العام والخاص لتفعيل المشاريع الكبرى.. لا شك أن سوريا بحاجة إلى استثمارات في كل القطاعات تقريباً، من الفنادق والمستشفيات إلى الصناعات التحويلية والزراعة الذكية. إلا أن هذه الحاجة يجب أن تقابل بخطوات عملية من قبل الحكومة السورية، تتمثل في التشريع، والتسهيل، والتأمين.
ويختم محمد الحميد حديثه بالتأكيد على الاستعداد الكامل للمشاركة في مشاريع تنموية في الداخل السوري نحن لا نطلب المعجزات.. فقط نريد دولة تطبق القانون وتحمي المستثمر.. عندها، سنعود، وسنبني، وستنهض سوريا من جديد بأبنائها، سواء داخل البلاد أو خارجها.
الرؤية الحكومية
وأكد الفراح أن السياحة العلاجية تُعد من أهم الأنماط السياحية التي يتم العمل على تطويرها حالياً، بالتنسيق بين وزارتي السياحة والصحة، حيث يتم اعتماد عدد من المراكز الطبية من قبل وزارة الصحة، في حين تقترح وزارة السياحة مواقع منتجعات علاجية جديدة لتكون بيئة متكاملة لاستقبال هذا النوع من السياح، كما يتم العمل على تنظيم دخول السياح وتسهيل إجراءات الفيزا والإقامة والتنقل، بما يضمن تقديم خدمات صحية وسياحية عالية الجودة.
كما أن السياحة الدينية، تحظى بأولوية خاصة ضمن خطط الوزارة، حيث يجري التنسيق مع وزارات الداخلية، والهجرة والجوازات، والمعابر البرية والبحرية، لاستكمال الإجراءات اللازمة لاستئناف السياحة الدينية.
وأشار الفراح إلى أن لهذا النمط أهمية اقتصادية كبيرة، كونه يؤمّن القطع الأجنبي ويعزز واردات الخزينة العامة من العملات الصعبة، مشيراً إلى تفعيل المنصة الإلكترونية لتسهيل الحصول على تأشيرات الدخول، وتحديثها لتتواكب مع المعايير العالمية.

إجراءات مشجعة
كما أشار إلى أن المرسوم التشريعي رقم 114 لعام 2025، الذي عدّل عدداً كبيراً من مواد قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، جاء كخطوة مهمة نحو ضمان حقوق المستثمرين وتسهيل إطلاق المشاريع، مشيراً إلى أن إصلاحات ضريبية جديدة قيد الإعداد حالياً لتحقيق مزيد من الجاذبية الاستثمارية.
وفيما يتعلق بغياب شركات التسويق السياحي المحترفة، أرجع الفراح ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها غياب الأمن والاستقرار السياسي لفترات طويلة، واستهداف البنية التحتية من قبل النظام السابق، إلى جانب العقوبات الدولية، وافتقار بعض المناطق إلى خدمات أساسية كالكهرباء والاتصالات، إلا أنه أشار إلى أن سوريا اليوم، رغم التحديات، تسير بخطا ثابتة نحو استعادة ألقها السياحي من خلال جهود متكاملة لتأهيل المواقع الأثرية وتشجيع القطاع الخاص.
القطاع الخاص شريك
وأشار إلى أن اتحاد غرف السياحة السورية هو شريك رئيسي لوزارة السياحة في تنفيذ خطة النهوض السياحي للسنوات 2025-2030، والتي تم تحديثها مؤخراً لتلائم المتغيرات الجديدة، وتهدف إلى تنشيط السياحة الدينية والطبيعية والعلاجية والأثرية.
وعن الأثر الاقتصادي للقطاع السياحي، قال الفراح: إن السياحة تُعد من الركائز الداعمة للاقتصاد الوطني، عبر جذب الاستثمارات وتوليد فرص العمل ورفد الخزينة بالقطع الأجنبي.
وأشار إلى أن السياحة ساهمت بين عامي 2009-2010 بما نسبته 12-14بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تهدف الخطط الجديدة إلى رفع هذه النسبة إلى ما فوق 20 بالمئة خلال السنوات المقبلة، عبر تدفق الاستثمارات والقدوم السياحي، وإنفاق الزوار في المنشآت والأسواق، وتوليد فرص العمل في قطاعات البناء والخدمات المرتبطة.
تجربة جديدة
وفي ختام حديثه، شدد معاون الوزير على أن العمل جارٍٍ لتوحيد الجهود الحكومية والخاصة للارتقاء بالقطاع السياحي، وتوفير بيئة مناسبة لاستثمارات نوعية، واستقبال السياح بأنماطهم المختلفة، مشيراً إلى أن المؤشرات الحالية تبشر بعودة قوية للحركة السياحية، لاسيما في حال رفع العقوبات الدولية وعودة شركات الطيران الأجنبية والعربية إلى الأجواء والمطارات السورية.
الطموح كبير، والخطط مرسومة بعناية، ويبقى التحدي في التنفيذ والتغلب على العقبات، ليبقى القطاع السياحي أحد أبرز محركات التعافي الاقتصادي في سوريا.