الثورة – مها دياب:
في ظلّ التحديات المعيشية المتزايدة، تبرز الحاجة إلى مبادرات إنسانية تسهم في تعزيز روح التكافل داخل المجتمع السوري.. من هنا، انطلق مشروع “بنك الملابس” من قلب العاصمة دمشق، كمبادرة تطوعية حضارية تهدف إلى تأمين اللباس للمحتاجين بطريقة تحفظ كرامتهم وتمنحهم حق الاختيار.
المشروع ينفذ من قبل فريق “هذه حياتي” التطوعي، الذي يعرف بنشاطه المجتمعي المتنوع، وبالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي قدّمت الدعم اللوجستي والمكان اللازم لانطلاق المبادرة، ويطمح المشروع إلى بناء منظومة توزيع عادلة ومستدامة تشمل مختلف المحافظات، مع استقطاب التبرعات من الداخل والخارج.
ولتسليط الضوء على هذا المشروع أجرت صحيفة الثورة لقاءً مع مدير مشروع بنك الملابس فراس عثمان، وعدد من المتطوعين المشاركين فيه، للحديث عن تفاصيل المبادرة ودوافعها الإنسانية وتجاربهم في هذا العمل.
إحياء ثقافة التبرع
وأكد عثمان أن هذه المبادرة تسعى إلى إحياء ثقافة التبرع المنظم والهادف، وأن المشروع قام على التعاون مع فريق هذه حياتي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مشكورة وفرت لنا المكان، وبدأنا نشاطنا، ونحتاج اليوم إلى شركاء نجاح ليس فقط لدعمنا، بل لتوسيع الأثر والوصول إلى شرائح أكبر من المحتاجين في المجتمع.
وبيّن أن التجربة أخذت من مشروع “بنك الملابس” التي نفذت في الأردن خلال الفترة من 2012 حتى 2016 وأثبتت نجاحها في تقديم الدعم بشكل يحفظ كرامة المستفيدين، ما دفعنا إلى العمل على تطبيقها في سوريا بعد التنسيق مع مجلس الإدارة، في هذه حياتي بعد دراسة متأنية، تم عرض الفكرة على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي سارعت إلى توفير المكان والدعم اللوجستي الضروري لانطلاق المبادرة.
وأضاف: إن البداية كانت من خلال جهود فردية، حيث ساهم المواطنون بجمع الملابس والمستلزمات من منازلهم، وتم توفير الأدوات والأثاث اللازم لتجهيز البنك بالشكل المطلوب، مشدداً أن المشروع، رغم نجاحه المبدئي، لا يزال بحاجة إلى شركاء فاعلين يسهمون في تطويره وتوسيع نطاقه ليصل إلى أكبرعدد ممكن من المحتاجين.
وحول التواصل مع المؤسسات بيّن أنه تمّ طرح الفكرة على عدد من رجال الأعمال والشركات والمؤسسات، وكانت ردود الفعل إيجابية للغاية، ونحاول الآن التعاون مع مؤثرين على منصّات التواصل لتسليط الضوء على المشروع وجذب الدعم.
رفع الوعي
قالت بشرى النجار، متطوعة في الفريق الإعلامي: من خلال انضمامي لفريق هذه حياتي، أسهمت في دعم مشروع “بنك الملابس” إعلامياً، عبر تغطية التحضيرات والأنشطة لرفع الوعي حول الفكرة وأهمية التبرع، مبينة أن الفريق يعمل على تجهيز سيارات مخصصة تابعة لبنك الملابس، بالتعاون مع أهل الخير، بهدف الوصول إلى الأسرالمحتاجة في أماكن بعيدة، وتسهيل استقبال التبرعات من الشركات والمؤسسات بشكل أكثر مرونة وانتشاراً، ويوضع عليها إعلانات للشركاء، المتبرعين، لافتة إلى أن الإعلام، حين يرتبط بالقضية الصحيحة، لا يوثق الحدث فقط، بل يصبح هو الآخر مساهماً مباشراً في بناء الأثر وتحفيز المشاركة المجتمعية.
وتحدثت راما كتابي، عن دورها كمتطوعة في فريق الدعم النفسي للأطفال: أتقرب من الأطفال المستفيدين بطريقة تتجاوز مجرد تقديم الثياب، من خلال خلق أجواء مبهجة مليئة باللعب والرسم والتفاعل.
وأوضحت أن حضور الطفل إلى مقر التوزيع لا يكون مجرد لحظة استلام، بل يتحول إلى مناسبة يتفاعل فيها، ويرسم، ويضحك، ويشعر أن هذه اللحظة تخصها، مشيرة إلى أن الهدف الأساسي هو تقديم دعم نفسي ومعنوي يشعر الطفل من خلاله أنه محط اهتمام ورعاية، وتحويل يوم توزيع الملابس إلى تجربة تبعث الفرح في نفوس الصغار، وتمنحهم مساحة يشعرون فيها بالأمان والانتماء، لتظل تلك اللحظة راسخة في ذاكرتهم كشيء جميل يُقدم لهم بكلّ حبّ واحترام.
نموذج إنساني
سارة بصبوص- متطوعة، تقول: انطلقت مشاركتي ضمن فريق “هذه حياتي” في بداية شهر رمضان، ومنذ اللحظة الأولى شعرت أنني أمام مشروع يستحق كل دعم، خاصة أن تجربته في الأردن كانت ملهمة، إذ تبنته الحكومة هناك بعد نجاحه، وأُنشئت له صالات منظمة حسب المقاسات والألوان، ليتمكن المستفيدون من اختيار ملابسهم من خلال نظام كوبونات يحفظ كرامتهم.
وأوضحت أن فريق العمل اليوم يضم نحو 15 متطوعاً يومياً، يعملون بكل طاقاتهم لتكرار النموذج في سوريا، مع طموح أن يتحول إلى مشروع وطني دائم، وليس مجرد حملة موسمية.
وأضافت: إن المبادرة تسعى لتأمين اللباس على مدار العام، من خلال بناء شراكات مع الصناعيين والجهات الداعمة، إلى جانب التنسيق المسبق مع الجمعيات المحلية ودراسة حالات المستفيدين بدقة، بهدف تلبية احتياجاتهم الكاملة، بما يضمن وصول المساعدة بشكل عادل وإنساني.
تنظيم يليق بالعطاء
وأكدت المسؤول التنفيذية للمشروع يسرى الدباس، أن الهدف والرؤية أن يتجاوز التوزيع من دمشق، ويسعى إلى توسيع نطاق عمل “بنك الملابس” ليشمل مناطق جديدة وصالات متعددة في مختلف المحافظات السورية.
وأوضحت أن الدعم الذي قدمته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كان أساسياً لانطلاق المبادرة، إذ أمنت المكان المناسب وساندت خطوات التنفيذ الأولى، مبينة أن العمل يتم وفق آلية دقيقة تشمل تصنيف وفرز الملابس حسب المقاسات والنوعية، قبل أن تمر بمرحلة الخياطة والكوي لإعادة تجهيزها بمظهر أنيق وجديد، يليق بالمستفيدين ويمنحهم تجربة تُشعرهم بالتقدير والاحترام.
وشددت الدباس على أن التفاصيل التنظيمية الصغيرة هي ما يصنع الفارق الكبير في كرامة العطاء وأثره العميق.
تنسيق بالحب
وأوضحت مدير الصالة روعة البني أن مسؤوليتها في المشروع تتجاوز الإشراف الإداري، لتشمل التنسيق الكامل لتحضير الملابس داخل صالة “بنك الملابس”، وتعمل بجهد يومي على فرز القطع وتنظيمها حسب المقاسات والفئات، وتحرص على أن تكون كل قطعة مرتبة وأنيقة، وكأنها تقدم في متجر متكامل وليس كمساعدة.
وأعربت عن محبتها الكبيرة للعمل التطوعي، واعتبرته مساحة حقيقية للتأثير الإيجابي في المجتمع، مؤكدة أن أكثر ما يهمها هو شعور المستفيد أن ما يتلقاه تم ترتيبه له خصيصاً، بعناية واحترام، ليشعر بالكرامة، ويغادر الصالة بابتسامة لا يمكن نسيانها.
وفي الختام أكد المتطوعون أن مشروع “بنك الملابس” لا يختزل في كونه نقطة لتوزيع الثياب، بل يمثل مساحة إنسانية عميقة تنسج فيها قيم الكرامة والتكافل، وتبنى خيوط علاقة متينة بين أفراد المجتمع على أساس الاحترام والمشاركة، لا يتعلق الأمر بكمية ما يقدم، بل بكيفية تقديمه، فالاحتياج هنا لا يقابل بالشفقة، بل بخيارات تتيح للشخص أن ينتقي ملابسه بحرية تامة، معززاً إحساسه بالقيمة والانتماء.
هذا النموذج يكشف عن وجه راقٍ للمجتمع السوري، الذي رغم ما يمر به من ظروف، لا يتوقف عند الحزن، بل ينهض بمبادرات تنظم العطاء وتضمن استدامته.. هو فعل جماعي ينبض بالحس الإنساني، يفتح فيه المجال للجميع كي يكونوا جزءاً منه، كلٌ بما يستطيع تقديمه، سواء كان وقتاً أم جهداً أم فكرة أم قطعة ملابس.