الثورة_عبد الحميد غانم:
في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها سوريا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعد سنوات طويلة من الانهيار الممنهج الذي أصاب البنية التحتية والاقتصاد الوطني نتيجة ممارسات النظام البائد، تطفو إلى السطح اليوم خطوات اقتصادية جديدة تحمل بُعداً اجتماعياً مباشراً وتمثل بارقة أمل لملايين السوريين في الداخل والخارج.
في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد السليم أن جميع القطاعات في البلاد وصلت خلال السنوات الماضية إلى أدنى مستوياتها، من انهيار في قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع البنية الخدمية الأساسية، الأمر الذي دفع شريحة واسعة من السوريين إلى الهجرة أو العيش في ظروف مأساوية داخل البلاد، بين من تهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، ومن لم يبقَ لهم سوى خيمة في العراء.
أداة جديدة للإعمار
يشير الدكتور السليم إلى أن إطلاق “صندوق التنمية السوري” بموجب المرسوم الرئاسي رقم (112) لعام 2025، يُعدّ أبرز الخطوات الاقتصادية المنتظرة، إذ يهدف إلى المساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية من طرق وجسور وشبكات مياه وكهرباء، إضافة إلى المطارات والموانئ وشبكات الاتصالات.
ويمتاز الصندوق– بحسب السليم– باستقلاليته المالية والإدارية وارتباطه المباشر برئاسة الجمهورية، ما يمنحه مرونة واسعة في العمل بعيداً عن البيروقراطية التقليدية التي عطلت إنجازات الوزارات والمؤسسات لسنوات طويلة.
وفيما قدّرت الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار سوريا بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار، يرى السليم أن الرقم الفعلي يتجاوز هذه التقديرات بكثير، نظراً لحجم الخراب الهائل الذي أصاب البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
يرتكز الصندوق، وفق رؤية السليم، على عدة مصادر أساسية للتمويل، أبرزها:
– التبرعات الفردية من السوريين في الداخل والخارج، وخاصة المغتربين.
– التبرعات من جهات اعتبارية تسعى لدعم السوريين في إعادة بناء بلدهم.
– فتح قنوات التحويلات المالية بعد عودة المصارف السورية إلى نظام “سويفت” العالمي، الأمر الذي سهّل عملية التحويلات المالية الكبيرة وأزال الكثير من العقبات السابقة.
– كما يتبنى الصندوق إجراءات مباشرة وفاعلة، من بينها تقديم قروض بلا فوائد للمتضررين الراغبين في إعادة بناء منازلهم أو مشاريعهم الصغيرة.
على الرغم من أهمية الخطوة، يشير السليم إلى أن الصندوق يواجه تحديات جوهرية، في مقدمتها توزيع الموارد بعدالة وإعطاء الأولوية للفئات الأشد تضرراً، وعلى رأسهم قاطنو الخيام داخل سوريا وخارجها.
كما أن تحديد أولويات الإنفاق في ظل اقتصاد مترهل وقطاعات مدمرة بالكامل يمثل تحدياً إضافياً يحتاج إلى حكمة ودقة عالية.
الدعم الشعبي.. ركيزة أساسية
من أبرز النقاط التي يسلط السليم الضوء عليها هي أهمية الدعم الشعبي لإنجاح الصندوق، لافتاً إلى أن التجربة أثبتت فعالية الحشد المجتمعي في مبادرات مثل “أربعاء حمص” و”أبشري حوران”، حيث ضُخّت تبرعات شعبية ضخمة خلال فترة قصيرة، ما عكس رغبة السوريين الحقيقية في المشاركة ببناء وطنهم من جديد.
ويعتبر أن هذه التجارب يجب أن تكون مرجعاً للمشرفين على الصندوق من حيث آليات التسويق والتحشيد المجتمعي، مؤكداً أن تبنّي أساليب تواصل شفافة وفعالة مع المواطنين سيكون حجر الزاوية في إنجاح التجربة.
ويشدّد السليم على أن نجاح الصندوق مرهون بمدى الشفافية والمصداقية في إدارة موارده، وترجمة هذه الموارد سريعاً إلى مشاريع ملموسة على الأرض، يمكن للمواطن البسيط أن يلمس أثرها في حياته اليومية، سواء عبر إعادة تأهيل البنية التحتية أو تحسين الخدمات الأساسية.
نحو تعافٍ اقتصادي شامل
في ختام حديثه، يرى الدكتور السليم أن صندوق التنمية قيد الإطلاق يمثل نقطة تحول حقيقية في مسار إعادة الإعمار ودعم الفئات الهشة من نازحين ومهجّرين وأصحاب الدخل المحدود، إضافة إلى تشغيل رأس المال البشري في عمليات البناء والتشييد.
ويؤكد أن هذا الصندوق قادر، إذا ما أُحسن إدارته، على تحريك عجلة الاقتصاد السوري بخطوات متسارعة وفعالة، بما يتيح “حرق المراحل” في رحلة التعافي الاقتصادي الكلي، وإعادة الأمل لملايين السوريين الذين عانوا طويلاً من ويلات الحرب والانهيار.
ونوه بأن التحديات التي تنتظر الاقتصاد السوري في مرحلة إعادة الإعمار هائلة، غير أن الإرادة الشعبية المتمثلة في الاستعداد للتبرع والمشاركة، إضافة إلى الأدوات الجديدة مثل صندوق التنمية، تمنح البلاد فرصة حقيقية للانطلاق نحو مسار مختلف.
النجاح في هذه المهمة لن يتحقق إلا عبر إدارة رشيدة وشفافة تضع مصلحة المواطن في صدارة الأولويات، وتحوّل الموارد المجمّعة إلى مشاريع ملموسة تعيد الحياة إلى البنية التحتية وتنعش الاقتصاد الوطني.
وبين معاناة الأمس وتطلعات الغد، يبرز الصندوق كبوابة أمل يمكن أن تفتح الطريق أمام تعافٍ اقتصادي شامل يضع سوريا على سكة الاستقرار والتنمية المستدامة.