الثورة – مها دياب:
إن الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو استدعاء لحضور حيّ في وجدان الأمة، وفي ضمير الإنسانية، النبي كان تجسيداً حياً للرحمة، ومثالاً راقياً للإنسان الكامل، الذي ارتقى بأخلاقه وسلوكه إلى أعلى درجات الكمال البشري.
إننا حين نحتفل بمولده، لا نحتفل بجسد ولد، بل بروحٍ بعثت لتوقظ الأرواح، وتحرر العقول، وتزرع في القلوب نوراً لا ينطفئ.
الدكتور علاء الدين الزعتري تحدث عن الاقتداء بالنبي باعتباره منهجاً شاملاً لا يقتصر على تقليد الأفعال الظاهرة، بل يتجاوز ذلك إلى استيعاب الروح النبوية، والعيش بها، بأن نُشبهه في صدقه، وفي أمانته، وفي تواضعه، وفي حبه للناس، وفي حرصه على هدايتهم.
وأن نعيد إنتاج تلك الروح النبوية في حياتنا اليومية، في بيوتنا، في أعمالنا، في علاقاتنا، وفي مواقفنا، فالنبي الكريم لم يكن يتعامل مع الناس من موقع السلطة، بل من موقع الرحمة، وكان يرى في كل إنسان فرصة للهداية، لا خصماً للمواجهة.
ثورة روحية
وأوضح الدكتور الزعتري أن الرسالة المحمدية ثورة روحية وأخلاقية تهدف إلى بناء الإنسان من الداخل.
وأن النبي الكريم كان يُعلِّم الناس كيف يحررون أنفسهم من عبودية الهوى، وكيف يربطون قلوبهم بالله تعالى، وكيف يعلون فوق الأحقاد والضغائن.
وكان يدعو إلى حياةٍ تُبنى على الصدق، والعدل، والرحمة، لذلك الاقتداء به يعني أن نعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نقدم الأخلاق على المصالح، وأن نعلي من شأن الإنسان قبل أي اعتبار آخر.
المحبة تقاس بالأفعال
كما أكّد الدكتور الزعتري أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تقاس بالكلمات، بل تقاس بالأفعال، فالأمة التي تحب نبيها بحق، هي التي تقتدي به، وتحيي سنته، وتجسد أخلاقه في واقعها.
وأضاف: إننا لا نكرم النبي بالاحتفال بمولده فقط، بل نكرمه حين نعامل الناس كما كان يعاملهم، برحمة، ورفق، وعدل، ومحبة.
إن محبة النبي تعني أن نُشبهه، أن نحاكيه، أن نعيد حضوره في حياتنا، لا من خلال الصور والاحتفالات، بل من خلال السلوك والمواقف.
البوصلة الأخلاقية
كما شدّد الزعتري في كلامه على أن زمن الأزمات هو الزمن الذي نحتاج فيه إلى الاقتداء بالنبي أكثر من أي وقت مضى.
لأنه في عالم تتكاثر فيه الأزمات، تضيع فيه البوصلة الأخلاقية، وهنا يصبح الاقتداء بالنبي ضرورة وجودية، لا مجرد خيار ديني، لأن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، هو الذي علّمنا كيف نكون إنسانيين قبل أن نكون متدينين، وكيف نكون رحماء قبل أن نكون علماء، وكيف نكون صادقين قبل أن نكون منتصرين.
لذلك إن العودة إلى أخلاق النبي هي الطريق الوحيد للخلاص من أزماتنا، وهي السبيل إلى بناء مجتمع متماسك، تسوده المحبة والتسامح.
محطة روحية عظيمة
وتحدث عن المولد النبوي الشريف باعتباره محطة روحية عظيمة، ومناسبة اجتماعية، تتجلى في سوريا من خلال مظاهر الاحتفال بهذا اليوم المبارك في المجالس الدينية، والخطب الروحية، وتوزيع الحلوى، وتزيين المساجد، وإنشاد المدائح النبوية، وإقامة حلقات الذكر.
وفي دمشق القديمة، تضاء الحارات وترفع الرايات، وتسمع أصوات الأطفال وهم يرددون الأناشيد، وتُقام موائد المحبة، ويجتمع الناس على حب النبي، في مشهدٍ يعكس ارتباطاً عميقاً بالرسالة المحمدية.
وأوضح أن الأهم من ذلك هو أن يتحول هذا الاحتفال إلى لحظة مراجعة، إلى وقفة تأمل، إلى عهد جديد مع النفس أن تسير على خطا النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تُعيد بناء ذاتها على أساس من الرحمة والصدق والتواضع.
جوهر الرسالة المحمدية.
كما أوضح الزعتري أن الاقتداء بالنبي في التعامل الإنساني هو جوهر الرسالة المحمدية، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الناس بمحبة صادقة، لا تمييز فيها ولا تعالٍ، وكان يحب لأمته الخير، ويدعو لهم بالهداية، ويحرص على نجاتهم.
وعلمنا أن المحبة ليست مجرد شعور، بل هي سلوك عملي، يظهر في الكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، والعفو عند المقدرة. المحبة في منهج النبي هي أساس العلاقات، وهي مفتاح القلوب، وهي سر النجاح في الدنيا والآخرة.
الاقتداء به يقربنا من الله
وفي ختام حديثه أكد الدكتور الزعتري أن الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليس شعاراً يرفع، ولا كلمات تُردد، بل هو منهج حياة، وسلوك يومي، وتجسيد عملي للقيم التي جاء بها. وعلينا أن نجعل من هذا الاقتداء مشروعاً شخصياً، ومهمةً مجتمعية، نغرسها في بيوتنا، ونعلمها لأبنائنا، ونُمارسها في أعمالنا. فبقدر ما نُشبه النبي الكريم في أخلاقه، نقترب من رضوان الله، لأنه جاء حاملًا صفاء الروح، ونقاء السريرة، وعظمة الخلق، فكان في طفولته مثالاً للصدق، وفي شبابه عنواناً للأمانة، وفي نبوته مرآةً للرحمة والعدل.
تجسدت فيه مكارم الأخلاق، فكان الحليم عند الغضب، والكريم عند الحاجة، والوفي في العهد، والرحيم في الحكم، والرفيق في الدعوة، فكل لحظة من حياته كانت درساً في السمو الإنساني، وكل موقف منه كان تجسيداً حياً للرحمة المهداة.