الثورة – لينا شلهوب:
تجتمع في معرض دمشق الدولي الأصالة مع الإبداع لتقدّم صورة نابضة عن هوية الفن الشرقي الغني بالتفاصيل، لم يكن مجرد مساحة للعرض، بل أصبح لوحة حية تنسج من خلالها الزوايا والتفاصيل حكايات عن الماضي والحاضر معاً، في أرجائه تتألق التصاميم الشرقية والسيوف التقليدية لتكوّن تجربة بصرية استثنائية، تدهش الزائر وتترك في ذاكرته أثراً عميقاً.
أصالة ممتزجة بالإبداع
التصاميم الشرقية، التي تتميز بدقتها وزخارفها، كانت محط الأنظار، في كل قطعة يمكن للعين أن تلمح انعكاس ثقافات عريقة امتدت عبر قرون، صحيفة الثورة التقت مع المصمم فايز معتوق، متحدثاً عن مجموعة من التصاميم منها: الزخارف الهندسية التي تتكرر بالأشكال المتناظرة والمتداخلة لتعكس فلسفة التوازن والجمال في العمارة والفن الإسلامي، أحد النماذج كان عبارة عن لوحة جدارية تداخلت فيها النجوم والدوائر بخطوط دقيقة، تجسّد مفهوم اللانهاية والتناغم، ومنها الخط العربي الذي استخدم كعنصر زخرفي بارز، إذ تنوع بين الخط الكوفي والثلث والديواني، وإحدى القطع المميزة عُرضت بخط الثلث الذهبي محفوراً على خلفية خشبية داكنة، مما أبرز التباين بين النص والسطح.
أما المشغولات اليدوية، فكانت من بين أبرز المعروضات، وفي ذلك أشار معتوق إلى أنها تنوعت بين صناديق من الخشب المطعّم بالصدف والعاج، وهي حرفة دمشقية أصيلة تعكس مهارة الحرفيين الذين استطاعوا أن يحوّلوا الخشب إلى لوحات فنية نابضة بالحياة.
بين الرمزية والجماليات
السيف في التراث الشرقي لم يكن مجرد أداة حرب، بل رمز للشجاعة والفخر والهوية، في أجنحة المعرض، هذا ما لفت إليه أحد المهتمين بالتصاميم الشرقية عبد الوهاب الراعي، قائلاً: برزت السيوف الدمشقية المعروفة عالمياً بجودتها الفائقة وحدّتها المميزة، وكان منها الدمشقي الفولاذي، وهو أحد المعروضات، كان سيفاً تقليدياً مصنوعاً من الفولاذ الدمشقي المعرّق، حيث يمكن رؤية الخطوط المتموجة على النصل التي تمنحه طابعاً فريداً، هذه التقنية لم تُعرف فقط بجمالها البصري، بل بمتانتها الفائقة.
وهناك الأغماد المزخرفة، إذ لم تقتصر الجمالية على النصل، بل امتدت إلى الأغماد المزينة بالنقوش الفضية والذهبية، وإحدى القطع حملت نقوشاً نباتية ملتفة بدقة فائقة، وكأنها تحاكي حركة الطبيعة على سطح جامد، كذلك المقبض المرصّع، فبعض السيوف زُيّنت مقابضها بالأحجار الكريمة، مما أضفى عليها طابعاً ملكياً يوحي بالمكانة المرموقة لحامليها.
اللافت في المعرض هو أن العديد من المصممين المعاصرين لم يكتفوا بعرض التراث كما هو، بل سعوا إلى إعادة تفسيره، فقد جرى دمج الزخارف الشرقية في تصاميم حديثة للأثاث والديكور، فمثلاً عرضت طاولة خشبية حديثة السطح لكنها محاطة بحواف محفورة بزخارف إسلامية، لتجمع بين بساطة الحداثة وروح التراث، كذلك، أُعيد إنتاج بعض السيوف القديمة كقطع ديكور فنية أكثر من كونها أدوات عملية، فصار السيف يتحوّل من رمز عسكري إلى عنصر جمالي يزيّن فضاءات داخلية راقية.
تجربة بصرية استثنائية
فريق من الشباب قادمون من عدة مناطق من الغوطة الشرقية بريف دمشق منهم كاسر فرج، وعبيدة الدالي، رأفت حسن، يقولون: الزائر للمعرض لا يقف أمام القطع كمتفرج فقط، بل يشعر أنه جزء من الحكاية، فكل زاوية وكل تفصيلة تأخذه إلى رحلة زمنية تربط الماضي بالحاضر، الألوان الذهبية والفضية، الأشكال الهندسية، النقوش النباتية، والخطوط العربية المتناغمة تتشابك جميعها لتكوّن عالماً بصرياً متكاملاً، يجعل المشاهدة تجربة حسية وفكرية معاً.
وأضافوا: إن التصاميم الشرقية والسيوف في معرض دمشق الدولي ليست مجرد معروضات جامدة، بل رواة قصص تنبض بالحياة، هي قصص عن الحرفيين الذين صاغوا الجمال من المعدن والخشب، وعن الثقافات التي تركت بصماتها على كل خط وزخرفة، وعن هوية فنية حافظت على أصالتها رغم تحديات الزمن، في هذا المعرض، يثبت الفن الشرقي أنه قادر دائماً على الإبهار، لأنه ينبع من روح متجذّرة في التاريخ ومفتوحة على المستقبل.