الثورة – إيمان زرزور
تشهد محافظة السويداء حالة من التجاذب الداخلي الحاد، تتجلى في الخطابين اللذين يقدمهما كل من الشيخ “حكمت الهجري”، أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية، والشيخ “ليث البلعوس”، ممثل “مضافة الكرامة”، فبينما يرفع الهجري شعار “حق تقرير المصير” ويطالب بكيان مستقل يحكمه أبناء السويداء، يواجهه البلعوس بانتقادات لاذعة، متهماً إياه بالتناقض والتواطؤ مع الدولة السورية، ومعتبراً أن مشروعه لا يعبر عن مصالح الأهالي بل يقود إلى مزيد من الفوضى والعسكرة.
في كلمته الأخيرة، ركز الشيخ حكمت الهجري على “قدسية حق تقرير المصير”، وأكد تمسكه بقضية المخطوفين وعودة الأراضي المسلوبة إلى أهلها، وقدّم نفسه ممثلاً لإرادة جماعية تطالب بكيان مستقل “تحت مظلة القانون الدولي”، ملوحاً بدعم أميركي وإسرائيلي وأوروبي.
هذا الخطاب منح بعداً خارجياً للقضية، إذ وجّه شكره المباشر إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إضافة إلى الأكراد والعلويين في الساحل السوري.
ورغم الطابع العاطفي والرمزي في خطابه، فإن دعوته إلى إنشاء كيان منفصل وإدارته بكوادر محلية يعكس توجهاً نحو “عسكرة الهوية الدرزية” وربطها بتحالفات إقليمية حساسة، وهو ما يثير مخاوف من إدخال السويداء في دائرة صراع جيوسياسي يتجاوز حدودها المحلية.
في المقابل، وضع الشيخ ليث البلعوس النقاط على الحروف، معتبراً أن اعتراف الهجري بتواصله مع الحكومة السورية حتى يوم واحد قبل دخول القوات إلى السويداء يكشف تناقضاً صارخاً مع شعاراته السابقة التي وصفت دمشق بـ”الإرهاب”، ورأى أن هذا السلوك أوقع الأهالي في مواجهة مباشرة مع الجيش من دون استعداد مسبق.
كما انتقد البلعوس تشكيل “الحرس الوطني”، واعتبره نسخة مكررة من الحرس الثوري الإيراني، محذراً من تحوّل المحافظة إلى ساحة عسكرة جديدة، وأشار إلى أن ظهور الهجري محاطاً بفصائل متهمة بالخطف والنهب أثار رعب الأهالي، بينما الغالبية العظمى – حسب قوله – تتمسك بوحدة سوريا وترفض مشاريع الانفصال.
استعاد الشيخ ليث البلعوس تجربة والده، الشيخ وحيد البلعوس، قائد “رجال الكرامة”، الذي رفض عروض النظام المخلوع، قبل أن يُغتال بقرار من بشار الأسد في اجتماع بالقصر الجمهوري حضره قادة من إيران وحزب الله، وربط البلعوس الابن بين تلك الحادثة ومواقف الهجري، متهماً إياه بالتورط في المؤامرة، ومؤكداً أنه نفسه تعرض لمحاولات اغتيال لاحقة بفتاوى من الهجري.
الخطاب الانفصالي للهجري يهدد بزيادة الشرخ الاجتماعي والطائفي، خصوصاً مع تهجير آلاف العائلات البدوية وتصاعد خطاب التخوين، بينما يحاول البلعوس تقديم بديل يقوم على وحدة البلاد ورفض عسكرة الجبل، لكنه يواجه بدوره تحديات بسبب سطوة الفصائل المسلحة وضعف المرجعيات المدنية.
السويداء اليوم تقف على مفترق طرق: بين مشروع الهجري الذي يفتح الباب أمام كيان منفصل مدعوم إقليمياً، ومشروع البلعوس الذي يتمسك بالوحدة الوطنية لكنه يصطدم بواقع السلاح والفوضى، هذا الانقسام يعكس هشاشة الوضع، ويؤكد أن مستقبل المحافظة سيبقى رهناً بقدرة أبنائها على تجاوز الصراعات الداخلية، وتقديم رؤية جامعة تعيد للسلم الأهلي مكانته قبل أن تتحول المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.