من التشريعات إلى الضمانات.. خارطة طريق لجذب الاستثمار

الثورة – عبد الحميد غانم:

على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها سوريا، تظل مسألة جذب الاستثمارات أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة البناء في مرحلة ما بعد الحرب.

ولكن في ظل تشابه البيئة الطبيعية والتشريعية بين سوريا وعدد من الدول الإقليمية المنافسة مثل: الأردن، ومصر، وتركيا، تبقى التساؤلات المطروحة حول كيفية التميّز وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية قائمة، ما الذي يجعل سوريا وجهة استثمارية مفضلة؟ وما هي العوامل التي يجب توافرها لتشجيع المستثمرين على اختيارها، رغم الظروف الحالية؟.

تستدعي هذه التساؤلات استجابة شاملة تقوم على تحديد المزايا التنافسية التي قد تميز سوريا عن جيرانها، وكيفية ترويج هذه المزايا بفعالية.

كما تثير الحاجة إلى تهيئة البيئة القانونية والاقتصادية التي تمكن من جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية، وتوفير الضمانات اللازمة التي يطلبها المستثمرون لضمان استثماراتهم.

في هذا السياق، قدم الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش رؤيته حول كيفية تعزيز بيئة الاستثمار في سوريا، محذراً من أن القوانين والتشريعات الحالية قد لا تكون كافية لتحقيق الأهداف المرجوة، مع التركيز على ضرورة تميز التشريعات حسب نوع المستثمر واحتياجاته.

هذه المقدمة تضع الأساس لفهم التساؤلات المطروحة، وتدعو القارئ للاطلاع على تحليل الدكتور عياش في التقرير، بحيث تكون بمثابة تمهيد واضح لما يليه من تفاصيل.

فقد طرح الخبير عياش سؤالاً عميقاً على طريقة المطرب الراحل عبد الحليم حافظ: “ليه أنا.. مش هو؟!”، مُستحضراً كلمات الأغنية الشهيرة ليبني عليها أطروحة اقتصادية واقعية حول قدرة سوريا على جذب الاستثمار مقارنة بجيرانها من الدول ذات التشريعات المتقاربة والمزايا الطبيعية المتشابهة.

السؤال المحوري: لماذا سوريا؟

في ظل تقارب كبير بين دول المنطقة في البيئة الطبيعية والتشريعية وحتى في البنية السوقية، يبقى التحدي في الإجابة الدقيقة عن سؤال يطرحه كل مستثمر: لماذا أختار سوريا وليس الأردن أو مصر أو تركيا أو دول الخليج؟.

يرى د. عياش أن التميّز لا يُبنى على التشابه، بل على الميزة النسبية والتنافسية، مؤكداً أن الخطوة الأولى تبدأ من تشخيص دقيق لما تملكه سوريا من مقومات قابلة للاستثمار، ولو كانت نسبية أو غير تقليدية.

بمنهجية دقيقة، يشير عياش إلى أن جذب الاستثمار يعتمد على ثلاث دعائم رئيسية:

1. تحديد المزايا التنافسية مهما كانت نسبية.

2. الترويج الفعّال لهذه المزايا عبر خطة إعلامية ودبلوماسية واقتصادية متكاملة، تقودها العلاقات العامة وتُنفذها أدوات الترويج المتخصصة.

3. تهيئة البيئة الكفيلة بتحقيق هذه المزايا تشريعياً وتحفيزياً وتنفيذياً، عبر خارطة استثمارية ومصفوفة أولويات دقيقة.

تصنيف المستثمرين في قراءة واقعية، يصنف د. عياش شرائح المستثمرين المستهدفين إلى ثلاث:

– المحلي: أولوية حاجته تتمثل في التمويل الميسر.

– المغترب السوري: يبحث عن الاستقرار والأمان مع إمكانية تحقيق الربحية المعقولة.

– الأجنبي: يشترط الضمان أولاً وأخيراً؛ ضمان الربح، واسترجاع الأموال، وعدم المصادرة أو التأميم.

ويؤكد أن قانوناً موحداً للاستثمار لا يمكن أن يراعي خصوصيات كل شريحة وقطاع، منتقداً قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، الذي لم يميز بين المستثمر المحلي والخارجي.

يشدد الدكتور عياش على أن مفتاح الاستثمار الأجنبي هو الضمان، لا يعني ذلك فقط الضمان القانوني، بل يشمل: الاستقرار

– السياسي والتشريعي.

– قضاء مستقل وسريع.

– تحكيم دولي مؤسساتي.

– حرية حركة الأموال والأرباح.

– آليات حماية استثمارية فعلية.

ويضيف: “المال الإلكتروني والاستثمارات غير المباشرة عبر البورصة أصبحت أدوات أساسية في تأمين الرساميل الدولية”.

الإعمار.. ميزة تنافسية لا يمكن تقليدها

في رؤية مختلفة من خارج الصندوق كما يقال، يرى عياش أن الدمار بحد ذاته يمكن أن يتحول إلى فرصة، ويؤكد أن “متطلبات إعادة البناء والإعمار” تشكل الميزة التنافسية المطلقة لسورية، والتي لا تملكها أي دولة أخرى في المنطقة، إن تم توظيفها بشكل صحيح، فمشاريع الإعمار تتعلق بالبنية التحتية، والخدمات، والطاقة، والتعليم، والإسكان، ما يفتح أبواب استثمارات ضخمة في قطاعات أساسية وطويلة الأمد.

للانتقال من الرؤية إلى التطبيق، يضع د. عياش قائمة واقعية من المتطلبات الضرورية، أبرزها:

– اكتمال مؤسسات الدولة التشريعية.

– نظام مصرفي مرن وموثوق.

– تصنيف ائتماني للمصرف المركزي يتيح الانفتاح على التمويل الدولي.

– قضاء متخصص وتحكيم دولي فعّال.

– تطوير سوق دمشق للأوراق المالية بما يواكب المعايير الدولية.

– السماح بتأسيس شركات أمنية خاصة لحماية الاستثمارات على النمط المعتمد دولياً.

الاستثمار الدولي لا ينتظر

في نقطة لافتة.. يذكّر عياش بأن الاستثمارات الدولية الكبرى لا تنتظر توفر البيئة المثالية بل تفرضها أحياناً، مدللاً على ذلك بتجارب في بلدان مثل نيجيريا، أو الاستثمارات التي انهارت في بلدان مستقرة مثل دول آسيا في أزمة 1997.

ويقول: “ما تم التفاهم عليه من استثمارات دولية بمليارات الدولارات في سوريا لم يكن ارتجالياً، بل استناداً إلى معطيات واقعية وإرادة في المشاركة بإعادة الإعمار”.

رأس المال الجبان.. ورهان التعافي

يختم د. عياش بالإشارة إلى أن الرهان الأساسي يجب أن يُبنى على الرساميل الوطنية، المحلية والمغتربة، كونها الأقدر على إحداث “تيار الإقلاع” الاقتصادي، وتقديم “نموذج يُحتذى به” للمستثمر الأجنبي.

وعلى الرغم من التحديات والتناقضات، يرى أن تجارب إعادة الإعمار العالمية تمنح الأمل لسوريا، ويقول: “من أعاد بناء ألمانيا المدمرة بعد الحرب.. هن نساؤها، ونحن نملك شعباً وإمكانات لا تقل قدرة عن ذلك”.

ويقول: “ليست كل الاستثمارات تُبنى على جدوى.. بعض الاستثمارات تُبنى على رؤية.. وبعضها تُبنى على مصلحة دول.. وفي الحالتين، تبقى سوريا بحاجة إلى عقل استثماري لا يعادي الواقع، بل يستثمره”.

وعليه، فرؤية الدكتور فادي عياش تشكّل مقاربة واقعية وعميقة لملف الاستثمار في سوريا، إذ لا يقتصر التحدي على تعديل القوانين أو تقديم الحوافز، بل يمتد إلى فهم أوسع للفرص المتاحة والاختلاف في متطلبات المستثمرين، وفيما تبقى بيئة الاستثمار غير مكتملة حتى اليوم، فإن إعادة الإعمار تبرز كفرصة استراتيجية فريدة قادرة على جذب استثمارات نوعية، شرط أن يتم التعاطي معها برؤية مؤسساتية، مرنة، ومبنية على الثقة والضمان.

وفي المحصلة، فإن الرهان على الرساميل الوطنية، واستعادة ثقة المستثمرين من الداخل والخارج، يشكلان الخطوة الأولى نحو انطلاقة اقتصادية حقيقية، يكون الاستثمار فيها أحد أعمدتها الأساسية.

آخر الأخبار
"تقصي الحقائق" بأحداث السويداء تلتقي المهجّرين في مراكز الإيواء في إزرع علاقات اقتصادية مع روسيا في إطار تبادل المصالح واحترام السيادة الوطنية تعاون سوري – عُماني لتعزيز القدرات في إدارة الكوارث شراكة جديدة لتحديث التعليم وربط الشباب بسوق العمل زيارة الوفد الروسي.. محطة جديدة في العلاقات المتنامية بين دمشق وموسكو سوريا وروسيا تبحثان بناء شراكة قائمة على السيادة والمصالح المشتركة سوريا: الاعتداء الإسرائيلي على قطر تصعيد خطير وانتهاك سافر للقانون الدولي الشيباني: سوريا تفتح باب التعاون مع روسيا.. نوفاك: ندعم وحدة واستقرار سوريا استهداف قيادات حماس في الدوحة.. بين رسائل إسرائيل ومأزق المفاوضات "إدارة وتأهيل المواقع المحروقة للغابات" في طرطوس تحالف يعاد تشكيله.. زيارة نوفاك  لدمشق ملامح شراكة سورية –روسية  دمشق وموسكو  .. نحو بناء علاقات متوازنة تفكك إرث الماضي  بين إرث الفساد ومحاولات الترميم.. هل وصلت العدالة لمستحقي السكن البديل؟ حلب تفرض محظورات على بيع السجائر.. ومتخصصون يؤيدون القرار 1431 متقدماً لاختبار سبر المتفوقين في حماة أسواق حلب.. وجوه مرهقة تبحث عن الأرخص وسط نار الغلاء دمشق وموسكو.. إعادة ضبط الشراكة في زمن التحولات الإقليمية "اللباس والانطباع المهني".. لغة صامتة في بيئة العمل المغتربون.. رصيد اقتصادي لبناء مستقبل سوريا الأردن: القصف الإسرائيلي على سوريا تصعيد خطير وانتهاك للميثاق الأممي