ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم:
يزدحم الحديث عن تغيير قواعد الاشتباك التي كانت سائدة في المنطقة، ومعها يغالي الكثيرون في حديثهم حين يتعلق الأمر بتوصيف الكفّة التي ترجّح مقولات مسبقة عن الأوراق التي أضافتها هنا أو التي أحرقتها هناك،
ولا يتردد آخرون في الغمز من قناة ما يجري ربطاً بالتصعيد الإرهابي الذي شهدته سورية في الأيام الأخيرة، بعد أن خرجت إلى العلن تسريبات إسرائيلية عن مشاركة عربية في بعض الاعتداءات الإسرائيلية حالياً وسابقاً.
وإذا كان من المسلّم به عملياً أن القرائن الدالة على مشاركة الأعراب من مشيخات وغيرها ليست جديدة، فإن الوقائع المسرّبة لا تضيف إلى الافتراض السابق الكثير من الحجج بقدر ما تأخذ منه، حينما يتعلق الأمر بأفق المشهد وإحداثياته أو حين يرتبط بالحديث عن قواعد اشتباك إضافية تميل بالفطرة إلى تعديل ما هو قائم، وربما سحب صلاحيته بحكم التطورات.
واللغو لا يقتصر على ما تسرّبه الدوائر الإسرائيلية وملحقاتها من الأعراب، بل تجاوز ذلك إلى حدّ الخوض في تفسيرات متباينة على طول طرفي الانشقاق في المشهد العالمي وحوافه المتداخلة وخرائطه المتشابكة على قاعدة أن الحاصل النهائي سيعدّل في قواعد اللعبة الدولية، وأن فسحة قد تشكلت لمساومات هنا وصفقات هناك، وربما لواقع جديد من الاصطفافات السياسية بما فيها التحالفات القائمة.
في المبدأ.. لا أحد يراهن على قواعد اشتباك قابلة للتسويق وسط أمواج من المتغيرات العاصفة التي لم تكتفِ بتغيير قواعد اللعبة على المستوى الإقليمي، بل قلبتها رأساً على عقب، وربما كانت أكثر وضوحاً على المسرح العالمي مما هي عليه في المنطقة.
وفي الوقت ذاته لا يبدو الانزلاق والدفع بالمعادلات التقليدية خارج حلبة الحسابات العقلانية، مجرد تسريبات في ضوء معطيات جازمة بأن اللعبة وصلت إلى آخر أشواطها وأن الوقت المستقطع الذي قارب على نهايته، لا يتيح المناورة ولا يترك هامشاً كافياً للاستدراك، في وقت تتدحرج كرة الثلج على بساط متحرّك من الفرضيات الموازية، تحاكي في الحدّ الأدنى تمنيات.. أكثر مما تعكس وقائع.
فالإسرائيلي الذي أعجبته صيَغ الطرح من حلفائه في المنطقة المندلقين للكشف عن أنفسهم على الساحة الإعلامية، لا يجادل في تلك النظريات إلا من الزاوية التي يعتقد أنها تحمل له مخاطر انقلاب المعادلة، وهو ما يفسّر حالة الترقّب، دون أن يجيب على الأسئلة التي تطرحها حالات تدخله المتكرر لحساب الإرهابيين والمرتزقة، والتي تبدو في جزء كبير منها محاولة لتهدئة مخاوف رعاة الإرهاب من الارتداد السريع للمعادلات الناشئة لتصبح مشكلة داخلية مباشرة، وتهديداً في صميم وجودها.
على هذه القاعدة تتريث إسرائيل في تعديل قواعد اشتباك كانت قد تخطتها بنفسها، وتعيد تسويقها بالمفهوم ذاته، رغم إدراكها عدم جدوى العودة إلى أوراق هي أحرقتها ونفخت في رمادها لتذروها رياح الخيبة والفشل، ولترسم خطوطاً متقاطعة من الوهم بإمكانية العودة إلى المربع الأول، كلما سنحت الفرصة.
فالمحسوم أن قواعد الاشتباك التي تغيّرت على النطاق العالمي بشكل شمولي كان للمنطقة النصيب الأكبر منها، وهو ما ينسحب بالضرورة الكلية على معادلات وجودها في معايير الحسابات القائمة على الفروق الناتجة عن عمليات الإرهاب التي تعرضت لها دول المنطقة، لتكون بديلاً عن الدول الغربية وإسرائيل في تنفيذ ما عجزت عنه على مدى عقود محاولاتها الماضية.
غير أنها على المستوى الاستراتيجي كما توردها الدوائر القريبة من القرار الإسرائيلي ذاته كانت مغايرة للمنتج السياسي، وإن حاولت إلباسه ما هو ليس فيه، وأن الأوراق التي توهّم الإسرائيلي ومعه الأميركي أنها تعدّلت أو تغيّرت، لا تزال تواجه في الأفق محدّدات مختلفة لتلك الحسابات، والإسرائيلي يدرك أن الكثير من قواعد الاشتباك باتت من الماضي، والتغيير الذي طالها ليس في مصلحته، ولن يكون.. بدليل أن محاولاته السابقة كانت تنتهي إلى حيث يعود هو للمطالبة بها، بعد أن يرميها جانباً إثر كل عدوان يمارسه.
الوهم الحقيقي.. إذا تخيّل الإسرائيلي ومعه عملاؤه الصغار منهم أو داعموه الكبار أن طريق العودة إليها سالكة أو ممكنة، مثلما يكون مشتبهاً على نفسه إذا ما تخيّل أن بإمكانه أن يعدّلها وفق مزاج المناخ الإرهابي وتدرّجات حضوره، تصعيداً كان أو تسخيناً، حيث المداورة على الزوايا المخفية والقطب المنسية باتت غير صالحة للتداول، وأن القواعد الوحيدة المعمول بها حتى إشعار آخر أن المواجهة المفتوحة تعيد تثبيت النقاط على أساس معادلات لا تحتمل التأويل، ولا تقبل التفسير المزدوج..!!
a.ka667@yahoo.com