الثورة – لينا شلهوب:
جهود ومساعٍ متواصلة، تهدف إلى مكافحة الفساد وترسيخ قيم المساءلة بما يضمن حماية المال العام وصون ثقة المواطنين، واستناداً إلى ذلك تم الإعلان مؤخراً عن منصة إلكترونية متخصصة لاستقبال الشكاوى والبلاغات المتعلقة بممارسات الفساد والرشاوى داخل المؤسسات الحكومية.هذه المبادرة الرائدة تمثّل نقلة نوعية في أساليب مكافحة الفساد، وتعكس جدية الدولة في مواجهة أي ممارسات تسيء إلى المال العام أو تضر بثقة المواطنين في مؤسساتهم.
معايير صارمة
المنصة الجديدة، كما يقول الخبير الإداري والقانوني وصفي أبو فخر في لقاء لصحيفة الثورة: صُممت بالاعتماد على التقنيات الالكترونية الحديثة، مستفيدة من ثورة المعلومات والتكنولوجيا ووسائل التواصل المختلفة، ولتكون سهلة الاستخدام ومتاحة للجميع، ويستطيع المواطن بخطوات بسيطة إدخال مجموعة من المعلومات حول الموظف المخالف، وملابسات شكواه حول قضية الفساد، وتفاصيل الواقعة، مع إمكانية إرفاق الأدلة والوثائق ذات الصلة، وبمجرد إرسال البلاغ، يصل مباشرة إلى الجهات المختصة التي ستتعامل معه بكل احترافية وسرية، ما يضمن حماية المبلغين ويعزز ثقة المجتمع بآليات الرقابة.
وأضاف: ما يميز هذه المبادرة هو حرص الدولة على إشراك المواطن كشريك أساسي في معركة مكافحة الفساد، إذ لم يعد المواطن مجرد متلقٍّ للخدمات، بل أصبح عنصراً فاعلاً في الرقابة المجتمعية وتعزيز النزاهة، وبهذا تتجسد الشراكة الحقيقية بين الحكومة والمجتمع في بناء منظومة إدارية عصرية خالية من الممارسات غير المشروعة، آملاً أن تفعّل هذه الخطوة على أرض الواقع بشكل يضمن السرعة في التحقيق والبت بقضايا الفساد، وعدم الاستنسابية في التطبيق، أي بعيداً عن مقولة (خيار وفقوس)، وأن تكون هذه المنصة وسيلة إدارية ناجحة على خلاف الوسائل البيروقراطية التقليدية القديمة (المراسلات الشكلية التي لا طائل منها).
فيما أكد مسؤولون أن المنصة مزوّدة بتقنيات متطورة للتحقق من صحة المعلومات ومصداقية البلاغات، لتفادي أي محاولات إساءة استخدام أو تقديم شكاوى كيدية، وفي الوقت نفسه، تم اعتماد معايير صارمة لحماية سرية بيانات المبلغين وضمان عدم تعرضهم لأي أذى أو مضايقات.
أقوى ضمانة للنزاهة
وفي هذا السياق، بين أحد المهتمين بالتحول الرقمي سليم الفارس، أن هذه المنصة تمثل انعطافة مهمة في مسار مكافحة الفساد، إذ إننا نؤمن أن إشراك المواطن في الرقابة هو أقوى ضمانة للنزاهة، وهدفنا أن نوفر وسيلة سهلة وآمنة لكل من يرغب في الإبلاغ عن أي تجاوزات من دون خوف أو تردد، موضحاً أن التكنولوجيا أصبحت شريكاً أساسياً في تعزيز الشفافية، كذلك أكد على ضرورة أن تكون المنصة مبنية على أعلى معايير الأمان الرقمي، مع توفير تجربة استخدام بسيطة وفعّالة، فالمواطن لا يحتاج إلا إلى بضع دقائق لتقديم بلاغ متكامل.
إلى جانب المسؤولين، عبّر عدد من الموظفين الحكوميين عن ارتياحهم لهذه الخطوة، إذ لفتت سلاف العموري- موظفة في مؤسسة البريد، إلى أن المنصة تعطينا جميعاً شعوراً بالثقة، فالموظف النزيه سيشعر بالحماية، فيما الموظف المخالف سيدرك أن عيون الرقابة المجتمعية تتابع عن قرب.
وتطرق أحد العاملين في وزارة المالية، هيثم العيسى، إلى أن هذه المبادرة ستجعل الجميع أكثر التزاماً بالقوانين، لأنها تؤكد أن لا أحداً فوق المساءلة.
صوتنا مسموع
رحب عدد من المواطنين بهذه المبادرة التي تمنحهم فرصة الإسهام في مكافحة الفساد، يقول سامر الأوس، من ريف دمشق: لطالما تمنينا وجود وسيلة آمنة ومباشرة للإبلاغ عن الفساد، الآن نشعر أن صوتنا مسموع، وأن الدولة جادة في محاربة هذه الظاهرة.
فيما تضيف رندا كريدي- معلمة، أن المنصة ستشجّع الناس على تحمّل مسؤولياتهم المجتمعية، فحين يرى المواطن أن الحكومة توفر له حماية وضمانات، سيتشجع على الإبلاغ ولن يخشى العواقب.
إطلاق هذه المنصة يعكس التزام الحكومة الراسخ بتعزيز قيم النزاهة والشفافية، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى أدوات حديثة تواكب التطور التكنولوجي وتستجيب لتطلعات المواطنين، فهي ليست مجرد منصة تقنية، بل رسالة واضحة بأن الدولة ماضية بخطا واثقة نحو إصلاح شامل يضع مكافحة الفساد على رأس الأولويات الوطنية.
ويرى خبراء في الحوكمة أن هذه الخطوة ستسهم في ترسيخ ثقافة المساءلة داخل المؤسسات الحكومية، وستوفر بيئة عمل أكثر نزاهة وعدلاً، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ويعزز مكانة الدولة إقليمياً ودولياً كنموذج يحتذى في مجال الشفافية.
مشروع وطني تشاركي
شددت الجهات المختصة على أن نجاح المنصة يعتمد بالدرجة الأولى على تفاعل المواطنين، فذلك يعد أداة قوية يتم وضعها بين أيدي المعنيين، ليكونوا شركاء حقيقيين في حماية الوطن من الفساد، لأن كل بلاغ يصل هو خطوة نحو بيئة إدارية أكثر نزاهة وعدالة.
وبهذا الإنجاز، تؤكد الحكومة أن بناء مستقبل أفضل قائم على النزاهة، هو مشروع وطني تشاركي، تتوحّد فيه جهود الدولة والمجتمع لتحقيق التنمية المستدامة وحماية مكتسبات الوطن.