الثورة – لينا شلهوب:
في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة التعليم التركية أن نحو 100 ألف طالب سوري عادوا إلى بلادهم بشكل طوعي، تبرز أسئلة ملحّة حول مستقبل هؤلاء الأطفال، ومدى جاهزية البيئة التعليمية داخل سوريا لاستقبالهم، فالأرقام قد تبدو في ظاهرها مؤشراً على عودة طبيعية أو حتى إيجابية، لكنها في جوهرها تكشف عن معضلات عميقة تتعلق بالبنية التحتية للتعليم، وتأمين المستلزمات الدراسية، وضمان حق هؤلاء الطلاب في بيئة تعليمية تحفظ لهم مستقبلهم.
تفاقم الضغط
عودة هذا العدد الكبير من الطلاب السوريين إلى بلدهم تطرح إشكاليات مباشرة، كما تقول المعلمة ايناس الصفدي لصحيفة الثورة: منها غياب البنية التحتية الكافية، إذ إن كثيراً من المدارس داخل سوريا تضررت بفعل الحرب، بعضها خرج عن الخدمة، والبعض الآخر يعاني من اكتظاظ شديد، وهذا يعني أن استقبال عشرات الآلاف من الطلاب الإضافيين يفاقم الضغط على النظام التعليمي الهش أصلاً، ولا يخفى موضوع النقص بالمستلزمات التعليمية، ففي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، يصعب على كثير من الأسر توفير الكتب والقرطاسية واللباس المدرسي لأبنائهم، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت وزارة التربية والتعليم قادرة فعلاً على سد هذا العجز، بالإضافة إلى غياب الكوادر المؤهلة.
وأضافت: إن جزءاً كبيراً من الكوادر التعليمية غادر البلاد أو انتقل إلى مجالات أخرى بحثاً عن مصدر رزق أفضل، وهذا يترك فراغاً واضحاً في القدرة على تقديم تعليم بجودة مقبولة.
زيادة أعداد المتسربين
المدرّس إحسان ملص، يرى أن الطلاب العائدون يواجهون تحديات لا تقل خطورة عن تلك التي فرّوا منها سابقاً، والتي تتمثل بالانقطاع الدراسي المتكرر، إذ كثير منهم قد يكون مضطراً لإعادة صفوف أو مواجهة فجوات معرفية نتيجة اختلاف المناهج بين تركيا وسوريا، كذلك خطر التسرب المدرسي، إذ بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، هناك احتمال كبير لزيادة أعداد المتسربين، خصوصاً إذا لم تتوافر أماكن دراسية كافية، أو بيئة تعليمية محفّزة، بالإضافة إلى البعد النفسي والاجتماعي، فالانتقال من بيئة تعليمية مستقرة نسبياً في تركيا إلى واقع مختلف داخل سوريا، قد يؤثر سلباً على نفسية الطلاب، ويضعهم أمام شعور بالإحباط وفقدان الأمان التعليمي.المشكلة الأبرز هي غياب أي إعلان رسمي واضح من وزارة التربية والتعليم حول خطة متكاملة لاستقبال هؤلاء الطلاب، فلا توجد بيانات عن بناء مدارس جديدة، أو برامج دعم نفسي، أو حتى عن تأمين المستلزمات الدراسية الأساسية، ما يثير المخاوف من أن يتحول هؤلاء الطلاب إلى أرقام فقط في تقارير إعلامية، من دون أن يجدوا واقعاً تعليمياً يضمن حقوقهم.
بين الواقع والوعود
إن الحديث عن عودة 100 ألف طالب سوري من تركيا لا يمكن أن يُقدَّم كإنجاز أو خطوة طبيعية من دون طرح سؤال محوري: هل البيئة التعليمية في سوريا مستعدة حقاً لهم؟.. إذ إن الأرقام تكشف عن فجوة كبيرة بين الواقع والوعود، والتحديات لا تقتصر على المقاعد الدراسية فقط، بل تمتد إلى البنية التحتية والكوادر والظروف الاقتصادية، والنقد هنا ليس رفضاً لعودة الطلاب، بل دعوة ملحّة لتأمين مقومات تعليمية حقيقية، حتى لا تتحول العودة الطوعية إلى عودة إلى الأميّة أو التسرب المدرسي.