الثورة – إيمان زرزور:
في رسالة جديدة نُشرت مؤخراً، دعا الزعيم الكردي المعتقل في تركيا عبد الله أوجلان شيوخ ووجهاء العشائر العربية في الجزيرة السورية إلى تعزيز روابط الأخوّة التاريخية مع الكرد ودعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في خطوة تحمل أبعاداً سياسية وإقليمية كبيرة وتحدياً واضحاً للإرادة التركية في إنهاء ملف “قسد”.
يأتي خطاب أوجلان في مرحلة شديدة الحساسية من المشهد السوري والإقليمي، حيث تتباطأ المفاوضات بين دمشق و”قسد”، وتتنامى المخاوف من موجات جديدة من عدم الاستقرار في شرق البلاد، والرسالة تبدو محاولة لإعادة تموضع خطابه السياسي وتثبيت تحالفات مجتمعية جديدة مع العشائر العربية التي تمثل ثقلاً بشرياً واجتماعياً في شرق سوريا.
يركز أوجلان في رسالته على التاريخ المشترك بين العرب والكرد، معتبراً أنه الضمانة الأساسية لوحدة سوريا واستقرارها، ويطرح مشروع “الأمة الديمقراطية” كإطار جامع لإعادة بناء الثقة بين المكونات السورية، هذه المقاربة تحاول إبعاد العشائر عن صورة الخصومة التي ارتبطت ببعض ممارسات “قسد”، وتحويل الشراكة من مجرد تحالف عسكري إلى شراكة سياسية واجتماعية طويلة الأمد.
يشدد أوجلان على أن العشائر العربية تملك دوراً “حساساً وحاسماً” في حماية الاستقرار والمساهمة في بناء نظام سياسي يضمن العدالة والمساواة، في رسالة ضمنية بأن “قسد” لا تستطيع إدارة المشهد وحدها، بل تحتاج إلى الغطاء الاجتماعي والشرعية الشعبية من هذه العشائر، بذلك، يسعى الخطاب إلى استنهاض القوى التقليدية في شرق سوريا لتكون جزءاً من مشروع سياسي أوسع، بدل أن تبقى مجرد قوة اجتماعية متفرقة.
تزامنت هذه الرسالة مع تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان في روما، اتهم فيها “قسد” بمحاولة استغلال الأزمة التي خلقتها إسرائيل في سوريا لتحقيق مكاسب جديدة، مؤكداً أن أنقرة تمنح دمشق و”قسد” فرصة لمعالجة خلافاتهما والمساهمة في استقرار سوريا، لكنها في الوقت نفسه تضع أمنها القومي فوق كل اعتبار، وهذه الخلفية تبرز خطاب أوجلان كخطوة في اتجاه مضاد للموقف التركي، إذ يسعى لقطع الطريق أمام أي تفاهمات ثنائية قد تُضعف نفوذ “قسد” أو تقلّص هامش حركتها.
من خلال التركيز على التاريخ المشترك ومشروع “الأمة الديمقراطية”، يحاول أوجلان إعادة رسم التحالفات في شرق سوريا واستمالة العشائر إلى مشروعه، في وقت تدرك فيه أنقرة أهمية هذا المكوّن الاجتماعي في ترجيح كفة أي طرف, والرسالة تعكس إدراكاً بأن مرحلة ما بعد الصراع تحتاج إلى توازنات جديدة، وأن القوى التقليدية مثل العشائر العربية قد تكون مفصلاً في رسم مستقبل المنطقة.
يمثل خطاب أوجلان الأخير عاملاً جديداً يمكن أن يعيد خلط أوراق التفاوض بين الحكومة السورية و”قسد”، إذ إن دعوته العلنية للعشائر العربية لدعم القوات الكردية تضيف بُعداً اجتماعياً لمعادلة الصراع، وتمنح “قسد” فرصة لتثبيت نفوذها الشعبي في شرق سوريا، لكن في المقابل، قد تثير هذه الرسالة حساسية دمشق التي تسعى لاستعادة سيادتها على كامل الأراضي السورية وتستند بدورها إلى دعم عشائري واسع.
كما أن هذا الخطاب، بتوقيته ومضمونه، قد يزيد من تعقيد المشهد أمام أي تفاهمات قريبة، خاصة إذا قرأته الحكومة السورية وحلفاؤها على أنه محاولة لتقوية “قسد” في مواجهة الدولة، وليس كمدخل إلى شراكة جديدة، ويُحتمل أن يُستثمر الخطاب تركياً لتبرير مزيد من الضغط السياسي أو العسكري على “قسد” بحجة تنامي تهديداتها لأمن أنقرة القومي.
في المحصلة، خطاب أوجلان لا يُقرأ فقط كرسالة رمزية، بل كجزء من استراتيجية تحريك بيئة العشائر لتعزيز الموقف التفاوضي لـ”قسد”، في وقت تدرك فيه الأطراف المختلفة أن موازين القوى على الأرض لم تعد تُحسم بالسلاح وحده، بل بحاجة إلى شرعية اجتماعية واسعة، ومن ثم، قد يكون الخطاب عامل دفع لـ”قسد” لتوحيد صفوفها داخلياً، لكنه في الوقت ذاته قد يدفع دمشق إلى إعادة تقييم أسلوبها في الحوار مع القوى المحلية في شرق البلاد، بما فيها العشائر.