الثورة – مريم إبراهيم:
تأتي أهمية مشاريع التخرج الجامعية في كونها تتويجاً للمسيرة التعليمية، إذ تمنح الطلاب فرصة لتطبيق المعرفة النظرية على أرض الواقع، وتنمية مهاراتهم البحثية والتحليلية والتواصل والقيادة، كما أنها تُعزز من قدرتهم على حل المشكلات، وتشجع على الإبداع والابتكار، وتُهيئهم للمهام المستقبلية في سوق العمل وتساعد في تحديد مساراتهم المهنية.
حضور جديد
وفي الفترة الحالية ومن وقت إلى آخر تتم مناقشة العديد من مشاريع التخرج لكليات مختلفة في الجامعات، وتتباين المشاريع التي يتم تقديمها من حيث العناوين والمضمون والأهداف التي يمكن أن تترجمها هذه المشاريع، والتي بمجملها تحظى بجهود واضحة من قبل الطلاب بعد سنوات الدراسة الجامعية. والملفت هو الأفكار الجديدة التي تقوم عليها مشاريع التخرج لتبدو مختلفة شكلاً ومضموناً عن الآلية القديمة التي كانت تطرح حولها هذه المشاريع، لتتحول في البعض منها من مجرد كلام وسرد إلى مشاريع ذات قيمة ومعنى بفائدة علمية قابلة في مجالات التطبيق العملي، ولاسيما منها التخصصات العملية الجامعية وتوظيفها في خدمة المجتمع، والتي تؤكد شعار تعمل عليه الجامعات حالياً، وهو ربط الجامعة بالمجتمع.
وفي هذا الإطار تبرز كلية العلوم الصحية بجامعة دمشق كنموذج يعزز شعار الخدمة المجتمعية عبر اختصاصات الكلية المتعددة، ولعل مشاريع طلاب الدفعة الأولى لقسم الأطراف الصناعية والأجهزة التقويمية كانت ملفتة هذا العام في الكلية، وقد شكّل هذا الحدث محطة علمية متميزة، إذ تميّزت المشاريع المقدمة بمستوى علمي رفيع، كما أظهر الطلاب مهارة عالية في العرض والتقديم، والنتيجة وجود نخبة من المتخصصين في مجال الأطراف الاصطناعية والأجهزة التقويمية، الأمر الذي يُتوقع أن يساهم ابتداءً من كل عام بتخريج ما يقارب عشرين طالباً، مما سيساعد في تلبية احتياجات المجتمع وتغطية النقص في هذا الاختصاص الحيوي.
نحو الحاجة المجتمعية
رئيس قسم الأطراف الصناعية في كلية العلوم الصحية الدكتور زهير مرمر بين في لقاء لصحيفة الثورة أهمية مشاريع التخرج بالنسبة للطلاب والجامعة والأشخاص المستفيدين، موضحاً أن مشروع التخرج هو أول عمل حقيقي يقدمه الطالب استعداداً لدخوله الحياة العملية، وفي مشروع التخرج يقوم الطالب بالدرجة الأولى بالاستفادة من جميع المعلومات التي حصل عليها من السنة الأولى في الجامعة وحتى السنة الرابعة، بمعنى هو تبلور دقيق وصحيح لكافة المعلومات التي حصل عليها الطالب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نسمع كثيراً أن مشاريع التخرج للطلاب من كافة فروع الجامعة هي عبارة عن أعمال يمكن أن تساهم بشكل كبير في عملية تطوير الناحية العلمية وتطوير الاختصاص، وتطوير الأطراف الصناعية في البلد.
كيف سيتم تطوير الأطراف الصناعية؟
وفي هذا الإطار يقول الدكتور مرمر: نقوم بتوجيه مشاريع الطلاب لتكون من حاجة ومشكلة المجتمع، وبالتالي هي حلول لكثير من المشكلات لدينا في موضوع الأطراف الصناعية، ويمكن أن نحصل بعد الاستفادة من البحوث على الأطراف الصناعية بكلفة اقتصادية أقل، فكلفة عملية الحصول على الطرف الصناعي عالية جداً، وأول فائدة لهذه المشاريع ربط الجامعة بالمجتمع، كما أن مشروع التخرج له فائدة أكبر بكثير من ذلك، وهي أن الطالب قد تم بناؤه وتعليمه وتحصيله بالشكل الأمثل لأن الطالب ربط الجانب النظري بالجانب العملي، فمشروع التخرج ليس فقط ليعلّم الطالب شيئاً ما وليس ليقدم للمجتمع خدمة معينة، بل هو يقدم للمجتمع خريجاً خبيراً ومتدرباً.
وأوضح الدكتور مرمر أنه في السابق كان لدينا معاهد لتدريب وتعليم فنيين في الأطراف الصناعية لكن المعاهد تدرب سنتين فقط وسنتين غير كافية لأن نخرّج أخصائياً في تركيب الأطراف الصناعية وهذا فرق بين خريجي كلية العلوم الصحية وخريجي المعاهد، وهؤلاء يقومون بدور هام جداً، ونحن بحاجتهم لكن سنتين غير كافية، ولذلك اتجهنا في جامعه دمشق الى إحداث قسم الأطراف الصناعية في كلية العلوم الصحية من أجل تخريج دفعة أكثر تدريباً. وفي الحقيقة خريج الكلية مدرب كفني وكاختصاصي يعني هو لا يعمل فقط عملياً هو يعمل عملياً ونظرياً وهكذا تم إعداده وإعطاؤه كمية كافية من المعلومات والأسس النظرية والعملية للأطراف الصناعية ثم تم تدريبه ليعمل بيده بدءا من استقبال المبتور إلى نهاية تركيب الطرف وإرسال المبتور لبيته، وهذا الموضوع نحن بحاجته كثيراً بسبب العدد الكبير من المبتورين، إذ سيشكل قفزة نوعية كبيرة في آلية تركيب الأطراف الصناعية وفي جودة العمل وسرعته وبكل شيء، والسبب أن فتره دراسته وتدريبه كانت أطول ونفذت بشكل أكاديمي بحت، إضافة لذلك طالب خريج العلوم الصحية يعمل بكل ما يتعلق بالأطراف الصناعية ومتاح له أن يحصل على ماجستير ودكتوراه، يعني هو يعمل في الجانب العلمي وفي الجانب العلمي النظري.
كوادر مدربة متخصصة
ولفت الدكتور مرمر إلى أنه في الثامن من أيلول الحالي تمت مناقشة مشاريع تخرج طلاب قسم الأطراف الصناعية والأجهزة التقويمية بكلية العلوم الصحية بجامعة دمشق، وتمت مناقشتها في أجواء احتفالية كبيرة سواء من جهة أهل الطلاب والطلاب، ومن جهة المدرسين والإداريين في الكلية، وهذا الشيء ليس غريباً بل انتظرناه طويلاً ليكون لدينا كوادر مدربة متخصصة وعلى مستوى رفيع من علوم الأطراف الصناعية، وطريقة تصميمها، وتركيبها، واستخدامها من أجل خدمة العدد الكبير من المبتورين ممن فقدوا أطرافهم خلال الثورة السورية في الفترة من 2011 حتى 2024.
وأشار إلى أنه خلال هذه الثورة قدم أهلنا وأبناؤنا في سوريا الكثير من الشهداء وكثيراً من الإصابات، وهناك أشخاص فقدوا أطرافهم، ونحن فخورون بأنه أصبح لدينا من يقدم الرعاية المطلوبة لهؤلاء المبتورين وهذه الرعاية حاجة هامة جداً لأن هدفها الأساسي إعادة المبتور إلى الحياة العملية، وكما كان يعمل قبل البتر، حيث إن الأطراف الصناعية ضرورية جداً لأن كثيراً من المبتورين يصبحون مقعدين رغم أنهم قادرون على العمل من الجانب الفكري والجانب الفيزيائي، وكلما ساعدنا أحد الأشخاص المبتورين أعدنا له الحياة بطبيعتها.
وأكد الدكتور مرمر على مجموعة اقتراحات تساهم في خدمة المبتورين وتحسين وضع الأطراف الصناعية في سوريا، وهنا تبرز الحاجة لمراكز أكثر لتركيب الأطراف الصناعية، لأن المراكزالموجودة لدينا قليلة جداً وفعاليتها ليست بالشكل الكافي لتغطي حاجه البلد، وكما نعلم المبتور يضطر للانتظار أشهراً ليصل دوره لتركيب الطرف، فالحاجة ضرورية لزيادة المراكز وتغطية الجغرافيا السورية بمراكز أطراف صناعية، ويجب توفيرها بكل التجهيزات بعضها تقليدي وبعضها حديث ومتطور اعتباراً من استخدام الطريقة البسيطة لأنها أقل تكلفة وصولاً لاستخدام الآلات المبرمجة، وإدخال تطبيق الذكاء الاصطناعي في الأطراف الصناعية.
وأضاف: في أي مركز سواء مركز جديد عام أو خاص يجب أن تكون هناك تراتبية بالنسبة لاختصاصيي الأطراف الصناعية، ويمكن للخريج أن يتجه للمركز ويعمل فيه لمدة سنة على الأقل تحت إشراف زميل له ذي خبرة، فدائماً الخريجون يقعون في مشكلات بسبب عدم التراتبية، فالخريج مهما كان، وفي أي جامعة ومن أي اختصاص يجب في بداية تخرجه أن يخضع لفترة يكون معه مرشد يرشده للتطبيق الصحيح، وهذا مهم جداً ويجب أن يكون هناك توصيف دقيق لخريج العلوم الصحية ولكل من يعمل في حقل الأطراف الصناعية، وبيان الأعمال المنوطة بكل من الاختصاصات.
مشاريع واقعية
عميد كلية العلوم الصحية الدكتور سامر محسن أوضح أن الكلية اختصاصاتها كلها جديدة وسريرية داعمة للمهن الطبية بمجالات الصحة العامة، أو مجالات التأهيل، وربط التكنولوجيا بالصحة، ومشاريع الطلاب أغلبها كانت مشاريع سريرية واقعية منها مشاريع مسحية ومنها تجارب التشخيص وتجارب سريرية لها علاقة بالعلاج على عينات واقعية من المجتمع السوري، وإجراء هذه الأبحاث ينعكس بشكل مباشر على تحسين جودة ممارسة المهن الصحية بالاختصاصات المختلفة، وبالتأكيد هذا يتقاطع مع شعار الجامعة والذي هو هدف أساسي من أهداف الجامعة والذي هو ربط الجامعة بالمجتمع وتلبية احتياجات المجتمع الصحية سواء بمجالات التأهيل والصحة العامة، وكافة اختصاصات العلوم الصحية.