العودة إلى المدارس.. غلاء ينهك الأهالي والتعليم يتحول إلى عبء

الثورة – تحقيق فؤاد العجيلي:

مع اقتراب العام الدراسي الجديد، تشكل أزمة ارتفاع أسعار القرطاسية والمستلزمات الدراسية في مدينة حلب تحدياً كبيراً للأسر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تلك الأسر، ويقف الأهل بين أمرين أحلاهما مرٌّ، إما أن يتسرب أبناؤهم من المدارس والتعليم، وإمَّا أن يلجؤوا إلى الاقتراض، الأمر الذي سيزيد من أعبائهم المالية على مدار العام.

الأعباء المالية المتزايدة

تعاني الأسر من ارتفاع غير مسبوق في أسعار المستلزمات الدراسية، إذ تتراوح تكلفة تجهيز الطالب الواحد ما بين 300 إلى 500 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ ضخم مقارنة بمتوسط الدخل الشهري للأسر.

يقول عبد المنعم سليمان (رب أسرة): التجهيز للمدرسة أصبح كابوساً يحرمنا من أبسط الاحتياجات الأساسية، فيما تقول ازدهار الحسن: قررت شراء احتياجات ابني وابنتي قبل بدء العام الدراسي، لكنني تفاجأت بالأسعار المرتفعة، فالحقيبة وحدها تتراوح بين 130-300 ألف ليرة، واضطررت لشراء حقائب عادية وإعادة استخدام القديمة.

يشير العديد من المواطنين إلى أنهم يقتصرون على شراء المستلزمات الأساسية فقط بسبب ارتفاع الأسعار.. تقول رهف العبد الله (موظفة): سأنتظر ما تطلبه المدرسة من أبنائي لأن الأسعار الحالية لا تسمح بشراء كل شيء مرة واحدة.

ويوضح أحد أصحاب المكتبات: لاحظنا هذا العام تراجعاً كبيراً في الإقبال على شراء المستلزمات كاملة، ويكتفي الأهالي بشراء الضروريات فقط ويؤجلون بقية المشتريات.

وبسبب الغلاء والفقر يلجأ العديد من الأهالي في حلب إلى البسطات المنتشرة في الأسواق الشعبية لشراء المستلزمات الدراسية، بسبب أسعارها المنخفضة مقارنة بالمحال التجارية.

تقول مرام (أم لطفلين): أسعار البسطات أقل بنسبة 30 بالمئة تقريباً للدفاتر والأقلام، وهذا يوفر علينا الكثير.

ويقول أحمد (صاحب بسطة): على الرغم من أنني خفّضتُ أسعار القرطاسية هذا العام إلا أن الطلب ضعيف، والأهالي يشترون الأساسيات فقط.

التدوير من خلال اللقاءات مع الأسر

يتبيّن أن العديد منها يعتمد على إعادة استخدام المستلزمات من الأعوام السابقة، خاصة الحقائب واللباس المدرسي، لتخفيف التكاليف.

تقول فريال (أم لطفلين): مزقت بعض الأوراق المستخدمة في دفاتر العام الماضي ودعمتها بغلاف كرتوني جديد، ليكمل أطفالي استخدامها هذا العام، إضافة إلى بعض الأقلام والتي ستمكننا من الالتحاق بالمدرسة من دون مصاريف كبيرة ربما لشهرين قادمين.

يعبر أولياء الأمور عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه الأزمة إلى حرمان بعض الطلاب من التعليم، بسبب عدم القدرة على تأمين المستلزمات.

يشير حسين الأحمد (متقاعد) إلى أن هذه التكاليف ترهق الأسر ذات الدخل المحدود، وقد تضطر بعض الأسر للتخلي عن احتياجات أساسية لتوفير القرطاسية.

الأسر التي لديها أكثر من طالب في المدارس تواجه تحديات أكبر، فإحدى الأمهات تقول: لدي ثلاثة أولاد في المدرسة، والتكلفة قد تصل إلى 1,5 مليون ليرة، وهذا مبلغ ضخم لا أستطيع تأمينه.

غياب الدعم

يطالب المواطنون إدارات المدارس بمراعاة الظروف الاقتصادية للأهالي وترشيد طلبات المستلزمات الدراسية، فقد أشار بعض أولياء الأمور إلى ضرورة أن تكتفي المدارس بالضروريات فقط وتتجنب المتطلبات غير الضرورية، يقول أحد الآباء: لماذا تطلب المدرسة منا شراء أنواع محددة وبألوان معينة من الدفاتر والأقلام؟، هذا يزيد العبء علينا ونضطر لشرائها بأسعار أعلى.

يطالب المواطنون بمراقبة أسعار القرطاسية ومحاربة الاحتكار، يقول تاجر: “أصحاب المعامل هم من يحددون الأسعار ويتحكمون بنا وبالزبائن، ويدعون إلى تشكيل لجان رقابية للتأكد من أسعار القرطاسية ومنع الاستغلال، كما دعا المواطنون إلى إطلاق حملات توزيع مستلزمات مدرسية بأسعار مخفضة أو مجانية للأسر الفقيرة، تقول إحدى الأمهات: “نحتاج لمبادرات أهلية ومنظمات مجتمع مدني لدعم الطلاب الأكثر حاجة، إلى جانب ذلك يقترح المواطنون تبني برامج منظمة لإعادة استخدام المستلزمات الدراسية.

تدخل إيجابي

أقامت المؤسسة السورية للتجارة بحلب معرضاً للقرطاسية واللوازم المدرسية في العديد من صالاتها، في إطار الجهود المستمرة لتحسين جودة الخدمات وتطوير نقاط البيع في المدينة، وتم توفير المنتجات الأساسية للأطفال والطلاب، بما في ذلك الكتب والأدوات الكتابية والحقائب، لا شك أن ارتفاع تكاليف المستلزمات المدرسية قد يزيد من الضغط النفسي على الطلاب والأهالي على حد سواء، ولاسيما في الأسر ذات الدخل المحدود، فقد بينت المعلمة “ابتسام. م” أن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى دخول بعض الطلاب العام الدراسي من دون امتلاك جميع المستلزمات المطلوبة، ما ينعكس سلباً على تحصيلهم الدراسي.

وعلى الصعيد التربوي، يحذر التربويون من الآثار العميقة لهذه الأزمة على العملية التعليمية نفسها، فالعديد من التربويين يرون أن الطالب الذي يذهب إلى مدرسته، وهو يدرك العبء المالي الذي سببه لذويه، أو الذي يجلس في الصف وهو يفتقر إلى الأدوات الأساسية التي يمتلكها زملاؤه، يعيش تحت ضغط نفسي هائل، يتحول إلى عائق حقيقي أمام تلقيه العلم، إذ يشعر هذا الطالب بالدونية والقلق، ما يضعف تركيزه ويقتل روح المنافسة والإبداع عنده.

المرشدة النفسية نوران الأحمد، أوضحت أن المدرسة التي من المفترض أن تكون بيئة آمنة وداعمة للجميع، تتحول إلى بيئة طبقية تكرس عدم المساواة، ولهذا ينبغي على الإدارات المدرسية أن تتبنى سياسات مرنة تركز على الجوهر التعليمي وتتجنب الإلحاح على المظاهر والشكليات التي تثقل كاهل الأهل، كما أن تعزيز ثقافة المشاركة والتكافل داخل المجتمع المدرسي، من خلال مبادرات مثل بنوك القرطاسية أو تبادل الكتب المستعملة، يمكن أن يُخفف من وطأة هذه الأزمة ويحافظ على حق كل طفل في التعلم بكرامة.

أزمة إنسانية

أزمة ارتفاع أسعار القرطاسية في حلب، ليست فقط أزمة اقتصادية، بل هي أزمة إنسانية تؤثر على حق الأطفال في التعليم، فآراء المواطنين تعكس معاناتهم اليومية وتطلعهم إلى حلول عاجلة من الجهات المعنية والمجتمع الأهلي، وبات تضامن الجميع ضرورة لضمان ألا يحرم أي طفل من متابعة تعليمه، فهل نتعاون لبناء أطفال الأمل، فأسعار القرطاسية والمستلزمات الدراسية أكثر من مجرد أرقام على فواتير، فهي اختبار حقيقي لإنسانيتنا الجماعية وقدرتنا على حماية مستقبل جيل بأكمله.. لا يكفي أن نعتبر هذه المعاناة نتيجة حتمية للأزمات الاقتصادية، بل يجب أن تكون دافعاً لإطلاق مبادرات فعلية، من مراقبة الأسعار إلى تعزيز التكافل المجتمعي.

آخر الأخبار
من أرض الفلاح يبدأ التعافي السوريون يصنعون نموذجاً اقتصادياً جديداً بالصمود والتكافل المجتمعي محافظ إدلب يستقبل وزير الدفاع لبحث إزالة الألغام وتأمين عودة الأهالي ريف إدلب يتهيأ للعام الدراسي الجديد بحملات تأهيل ومتابعات ميدانية واسعة اتفاق سياسي أميركي - سوري: لإلغاء قانون قيصر وفق شروط محددة تحطيب مستمر وقرارات بلا تنفيذ.. منبج في مرمى التصحر العودة إلى المدارس.. غلاء ينهك الأهالي والتعليم يتحول إلى عبء "تقنيات التعلم الفعال".. تحصيل حياتي أفضل تشريعات الاغتصاب .. صرامة في النص تساهل في التطبيق ثلاثية بيضاء لميلان في الكالتشيو طرح الدوري الممتاز وكأس الجمهورية للبيع.. فمن يشتري؟ دمشق وواشنطن .. نحو بناء علاقات راسخة تحاكي المصالح المشتركة مزارعو الغاب بين قسوة الجفاف ونيران الحرائق  وقفة احتجاجية تطالب بإسقاط المرسوم 66 .. أصحاب الحقوق: أكبر جريمة نهب عقاري في تاريخ دمشق السياسة الخارجية السورية التفاعلية... نقطة على السطر الشيباني.. واختبار جدية التأثير الأميركي على "قسد" صفحة جديدة في مسار العلاقات السورية-الأميركية الزبداني .. تعيد النور إلى فصول مدارسها 30 مدرسة بريف دمشق تتحضر لاستقبال طلابها فتح 200 كم "خطوط نار" في ريف اللاذقية الشمالي