الثورة – همسة زغيب:
ترسم الفنانة نوار النداف، وتدرّس مادة الفنون في إحدى المدارس، لكن خلف هذه الصورة التقليدية، تتوارى تجربة فنية وإنسانية غنية، تنسج بين الخط واللون فلسفة تربوية، وتعيد تعريف الواقعية كخيار وجودي لا مجرد أسلوب بصري.
في حديثها لصحيفة الثورة، أوضحت أن الواقعية ليست مجرد تقنية، بل هي موقف وجودي، تُترجم عبر خطوط الرصاص وألوان الأكريليك، وتُحاكي نبض اللحظة وذاكرة المكان.. ومن بين أعمالها، تبرز لوحة طبيعة صامتة لشاطئ البحر، بخامة الأكريليك، جسّدت العزلة والهدوء، واختزلت تأملات فلسفية عن الإنسان في مواجهة الطبيعة، وعن القوة الكامنة في السكون، اختارت فيها درجات الأزرق والرمادي بتوازن دقيق، لتخلق فضاءً بصرياً يفيض بالسكينة، إذ لا حركة سوى تموّجات خفيفة توحي بالزمن وهو يمرّ بهدوء.
البحر هنا ليس ملاذاً، بل سؤال مفتوح عن معنى الوجود وعن قدرة الطبيعة، حيث تجمع بين البصمة البصرية والرسالة التربوية.
رغم دراستها في المعهد الهندسي، لم تتخلَّ نوار عن الفن، بل جعلت منه مساراً ذاتياً للتعلّم والتطور، واختارت أن تكون مدرسة لمادة الرسم، لا لتُلقّن، بل لتُحفّز وتُلهِم، لا تُقاس القيمة بما هو مكلف أو نادر، بل بما هو متاح وبسيط، كالصدف، الحجارة، الأزرار، والأقمشة.. كلها تتحوّل بين يدي طلابها إلى مشاريع فنية تُعبّر عن الإبداع في ظل التحديات الاقتصادية، وترى أن الفن ليس ترفاً، بل ضرورة تربوية ورسالة إنسانية.
يظهر البورتريه الواقعي في أعمالها كأداة لتوثيق الشخصيات التي تركت أثراً في الوجدان، بينما تُجسّد الطبيعة الصامتة تأملاتها في العزلة والسكينة، كل لوحة عند نوار ليست مجرد مشهد، بل تجربة بصرية تُلامس الداخل، وتدعونا إلى إعادة النظر في علاقتنا مع العالم من حولنا.
الفنانة التشكيلية نوار النداف ليست فقط فنانة واقعية، بل هي واقعية في فنها ورسالتها، وفي حضورها التربوي، ونموذج لا يكتفي بالتعبير بل يسعى إلى التأثير، ليجعل من كل خطٍّ على الورق، وكل فكرة في الصف، امتداداً لروحٍ تؤمن أن الفن يمكنه أن يُغيّر، أن يُعلّم، وأن يُلهم.